كتاب شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 1)
74 - وَقَدْ دَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذَا مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي §الْإِنَاءِ يَلِغُ فِيهِ الْكَلْبُ أَوِ الْهِرُّ , قَالَ: «يُغْسَلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» . فَلَمَّا كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَدْ رَأَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ يُطَهِّرُ الْإِنَاءَ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ فِيهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ذَكَرْنَا ثَبَتَ بِذَلِكَ نَسْخُ السَّبْعِ , لِأَنَّا نُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ، فَلَا نَتَوَهَّمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتْرُكُ مَا سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا إِلَى مِثْلِهِ، وَإِلَّا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا رِوَايَتُهُ. وَلَوْ وَجَبَ أَنْ يُعْمَلَ بِمَا رَوَيْنَا فِي السَّبْعِ وَلَا يُجْعَلُ مَنْسُوخًا لَكَانَ مَا رَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ فِي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى مِمَّا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ
75 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَا: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ §أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ: مَا لِي وَالْكِلَابِ. ثُمَّ قَالَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ , وَعَفِّرُوا الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» .
76 - حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: ثنا وَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَهَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ قَدْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُغْسَلُ سَبْعًا وَيُعَفَّرُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ , وَزَادَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ , وَالزَّائِدُ أَوْلَى مِنَ النَّاقِصِ. فَكَانَ يَنْبَغِي لِهَذَا الْمُخَالِفِ لَنَا أَنْ يَقُولَ: لَا يَطْهُرُ الْإِنَاءُ حَتَّى يُغْسَلَ ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ , السَّابِعَةَ بِالتُّرَابِ وَالثَّامِنَةَ كَذَلِكَ، لِيَأْخُذَ بِالْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا، فَإِنْ تَرَكَ حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغَفَّلِ فَقَدْ لَزِمَهُ مَا أَلْزَمَهُ خَصْمُهُ فِي تَرْكِهِ السَّبْعَ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَا وَإِلَّا فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَغْلَظَ النَّجَاسَاتِ يُطَهِّرُ مِنْهَا غَسْلُ الْإِنَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ; فَمَا دُونَهَا أَحْرَى أَنْ يُطَهِّرَهُ ذَلِكَ أَيْضًا. وَلَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ
77 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا أَبُو خَلْدَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «§إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ غُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَالثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» . وَأَمَّا النَّظَرُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ كَفَانَا الْكَلَامَ فِيهِ مَا بَيَّنَّا مِنْ حُكْمِ اللُّحْمَانِ فِي بَابِ سُؤْرِ الْهِرِّ. وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ فِي الْكَلْبِ يَلِغُ فِي الْإِنَاءِ أَنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ سَبْعًا وَقَالُوا: إِنَّمَا ذَلِكَ تَعَبُّدٌ , تُعُبِّدْنَا بِهِ فِي الْآنِيَةِ خَاصَّةً. فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْحِيَاضِ الَّتِي تَرِدُهَا السِّبَاعُ فَقَالَ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا " -[24]- فَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ حَمَلَ الْخَبَثَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا كَانَ لِذِكْرِ الْقُلَّتَيْنِ مَعْنًى، وَلَكَانَ مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُمَا وَمَا هُوَ أَكْثَرُ سَوَاءٌ. فَلَمَّا جَرَى الذِّكْرُ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَهَا خِلَافُ حُكْمِ مَا هُوَ دُونَهُمَا. فَثَبَتَ بِهَذَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ وُلُوغَ الْكَلْبِ فِي الْمَاءِ يُنَجِّسُ الْمَاءَ. وَجَمِيعُ مَا بَيَّنَّا فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى
الصفحة 23