كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 1)

5-(وعن أم عطية) اسمها نسيبة بضم النون وفتح السين المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح الموحدة بنت كعب، وقيل بنت الحارث الأنصارية، بايعت النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، كانت من كبار الصحابيات، وكانت تغزو مع رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، تمرّض المرضى، وتداوي الجرحى (قالت: كنا لا نعد الكدرة) أي ما هو بلون الماء الوسخ الكدر (والصفرة) هو الماء الذي تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار (بعدَ الطُّهْر) أي بعد رؤية القصة البيضاء، والجفوف (شَيْئاً) أي لا نعده حيضاً (رواه البخاري وأبو داود واللفظ له).
وقولها: "كنا" قد اختلف فيه العلماء، فقيل: له حكم الرفع إلى النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم؛ لأن المراد: كنا في زمانه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مع علمه، فيكون تقريراً منه، وهذا رأي البخاري، وغيره من علماء الحديث، فيكون حجة؛ وهو دليل على أنه لا حكم لما ليس بدم غليظ أسود يعرف، فلا يعد حيضاً بعد أن ترى القصة بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة؛ قيل: إنه شيء كالخيط الأبيض يخرج من الرحم بعد انقطاع الدم، أو بعد الجفوف، وهو أن يخرج ما يحشى به الرحم جافاً، ومفهوم قولها: بعد الطهر، أي بأحد الأمرين: أن قبله تعد الكدرة والصفرة شيئاً: أي حيضاً، وفيه خلاف بين العلماء معروف في الفروع.
6- (وعن أنَس رضي الله عنهُ، أنَّ اليهودَ كانوا إذا حَاضَتِ المَرْأَةُ فيهم لَمْ يُؤاكلُوها، فقَالَ النبيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "اصْنَعُوا كلَّ شيءٍ إلا النكاحَ" . رواه مُسلم.
الحديث قد بين المراد من قوله تعالى: { قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} - أن المأمور به من الاعتزال والمنهي عنه من القربان هو النكاح: أي اعتزلوا نكاحهن ولا تقربوهن له، وما عدا ذلك من المؤاكلة، والمجالسة، والمضاجعة، وغير ذلك جائز؛ وقد كان اليهود لا يساكنون الحائض في بيت واحد، ولا يجامعونها، ولا يؤاكلونها، كما صرحت به رواية مسلم. وأما الاستمتاع منهن، فقد أباحه هذا الحديث، وكما يفيده أيضاً.
7- (وعن عائشةَ رضي الله عنهَا قالت: كانَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يَأمُرُنِي فَأَتُّزرُ، فَيُبَاشرُني وأَنَا حَائضٌ . متفقٌ عليه.
أي يلصق بشرته ببشرتي فيما دون الإزار، وليس بصريح بأنه يستمتع منها، إنما فيه إلصاق البشرة بالبشرة، والاستمتاع فيما بين الركبة والسرة في غير الفرج أجازه البعض، وحجته: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" ، ومفهوم هذا الحديث، وقال بعض بكراهته، وآخر: بتحريمه، فالأول أولى؛ للدليل. فأما لو جامع وهي حائض فإنه يأثم إجماعاً؛ ولا يجب عليه شيء. وقيل: تجب عليه الصدقة لما يفيده.
8- (وعن ابن عباس رضي الله عنهُمَا عَنْ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في الذي يأتي امْرَأَتَهُ وهي حَائِضٌ قال: "يَتَصَدَّقُ بدينار، أوْ بنصْفِ دينارٍ" رواه الخمْسَةُ، وصححه الحاكم وابن القَطّان، ورَجّحَ غيرُهُمَا وَقْفَه.
على ابن عباس.
الحديث فيه روايات هذه إحداها، وهي التي خرج لرجالها في الصحيح، وروايته مع ذلك مضطربة. وقد قال الشافعي: لو كان هذا الحديث ثابتاً لأخذنا به. قال المصنف: الاضطراب في إسناد هذا الحديث، ومتنه كثير جداً، وقد ذهب إلى إيجاب الصدقة الحسن، وسعيد، لكن قالا: يعتق رقبة قياساً على من جامع

الصفحة 104