كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 1)

يتكدر، أو يطرح الماء على التراب، أو يطرح التراب على الماء. وبعض من قال: بإيجاب التسبيع قال: لا تجب غسلة التراب لعدم ثبوتها عنده، ورد: بأنها قد ثبتت في الرواية الصحيحة بلا ريب، والزيادة من الثقة مقبولة.
وأورد على ورواية التراب بأنها قد اضطربت فيها الرواية، فروى أولاهن، أو أخراهن، أو إحداهن، أو السابعة، أو الثامنة، والاضطراب قادح، فيجب الاطراح لها. وأجيب عنه: بأنه لا يكون الاضطراب قادحاً إلا مع استواء الروايات، وليس ذلك هنا كذلك؛ فإن ورواية أولاهن أرجح لكثرة رواتها، وبإخراج الشيخين لها. وذلك من وجوه الترجيح عند التعارض. وألفاظ الروايات التي عورضت بها أولاهن لا تقاومها وبيان ذلك: أن ورواية أخراهن منفردة لا توجد في شيء من كتب الحديث مسندة. ورواية السابعة بالتراب اختلف فيها، فلا تقاوم ورواية أولاهن بالتراب، ورواية إحداهن بالحاء والدال المهملتين ليست في الأمهات، بل رواها البزار، فعلى صحتها، فهي مطلقة يجب حملها على المقيدة، ورواية أولاهن أو أخراهن بالتخيير، إن كان ذلك من الراوي فهو شك منه فيرجع إلى الترجيح، ورواية أولاهن أرجح، وإن كان من كلامه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فهو تخيير منه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، ويرجع إلى ترجيح أولاهن لثبوتها فقط عند الشيخين كما عرفت.
وقوله: "إناء أحدكم" الإضافة ملغاة هنا لأن حكم الطهارة والنجاسة لا يتوقف على ملكه الإناء، وكذا قوله: (فلْيغْسلْهُ) لا يتوقف على أن يكون مالك الإناء هو الغاسل.
وقوله: وفي لفظ: "فليرقه" هي من ألفاظ ورواية مسلم، وهي أمر بإراقة الماء الذي ولغ فيه الكلب أو الطعام، وهي من أقوى الأدلة على النجاسة، إذ المراق أعم من أن يكون ماءاً أو طعاماً، فلو كان طاهراً لم يأمر بإراقته كما عرفت. إلا أنه نقل المصنف في فتح الباري: عدم صحة هذه اللفظة عن الحفاظ. وقال ابن عبد البر: لم ينقلها أحد من الحفاظ من أصحاب الأعمش. وقال ابن منده: لا تعرف عن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بوجه من الوجوه.
نعم. أهمل المصنف ذكر الغسلة الثامنة، وقد ثبت عند مسلم: "وعفروه الثامنة بالتراب". قال ابن دقيق العيد: إنه قال بها الحسن البصري، ولم يقل بها غيره، ولعل المراد بذلك من المتقدمين. والحديث قوي فيها، ومن لم يقل به احتاج إلى تأويله بوجه فيه استكراه اهـ. قلت: والوجه أي المستكره في تأويله ذكره النووي فقال: المراد: اغسلوه سبعاً واحدة منهن بالتراب مع الماء، فكأن التراب قائم مقام غسلة فسميت ثامنة، ومثله قال الدميري في شرح المنهاج، وزاد: أنه أطلق الغسل على التعفير مجازاً.
قلت: لا يخفى أن إهمال المصنف لذكرها وتأويل من قال بإخراجها من الحقيقة إلى المجاز كل ذلك محاماة عن المذهب. والحق مع الحسن البصري.
هذا، وإن الأمر بقتل الكلاب ثم النهي عنه وذكر ما يباح اتخاذه منها يأتي الكلام عليه في باب الصيد إن شاء الله تعالى.
9- (وعن أبي قتادة رضي الله عنه) بفتح القاف فمثناة فوقية بعد الألف دال مهملة اسمه في أكثر الأقوال الحارث بن ربعي بكسر الراء فموحدة ساكنة فمهملة مكسورة ومثناة تحتية مشددة الأنصاري، فارس رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم. شهد أحداً وما بعدها، وكانت وفاته سنة أربع وخمسين بالمدينة، وقيل مات بالكوفة في خلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام

الصفحة 23