كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 1)

فقيل: فأهريق (متفق عليه) عند الشيخين كما عرفت.
والحديث فيه دلالة: على نجاسة بول الآدمي، وهو إجماع، وعلى أن الأرض إذا تنجست طهرت بالماء كسائر المتنجسات، وهل يجزىء في طهارتها غير الماء؟ قيل: تطهرها الشمس والريح؛ فإن تأثيرهما في إزالة النجاسة أعظم إزالة من الماء، ولحديث: "زكاةُ الأرض يُبْسُهَا"، ذكره ابن أبي شيبة. وأجيب: بأنه ذكره موقوفاً، وليس من كلامه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، كما ذكر عبد الرزاق: حديث أبي قلابة موقوفاً عليه بلفظ: "جُفوفُ الأرض طَهُورُها" فلا تقوم بهما حجة.
والحديث ظاهر في أن صب الماء يطهر الأرض رخوة كانت أو صلبة، وقيل: لا بد من غسل الصلبة كغيرها من المتنجسات، وأرض مسجده صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، كانت رخوة، فكفى فيها الصب.
وكذلك الحديث ظاهر في أنه لا تتوقف الطهارة على نضوب الماء؛ لأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لم يشترط في الصب على بول الأعرابي شيئاً، وهو الذي اختاره المهدي في البحر، وفي أنه لا يشترط حفرها وإلقاء التراب، وقيل: إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب؛ لأن الماء لم يعم أعلاها وأسفلها، ولأنه ورد في بعض طرق الحديث: أنه قال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "خذوا ما بال عليه من التُّراب وألقُوهُ وأهْرِيقوا على مكانه ماء" . قال المصنف في التلخيص: له إسنادان موصولان. أحدهما عن ابن مسعود، والاخر عن واثلة بن الأسقع، وفيهما مقال: ولو ثبتت هذه الزيادة لبطل قول من قال: إن أرض مسجده صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم رخوة، فإنه يقول: لا يحفر ويلقى التراب إلا من الأرض الصلبة.
وفي الحديث فوائد:
منها: احترام المساجد؛ فإنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لما فرغ الأعرابي من بوله دعاه ثم قال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البَوْل ولا القَذر إنما هي لذكْر الله عزَّ وجلَّ وقراءة القران" . ولأن الصحابة لما تبادروا إلى الإنكار أقرهم صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وإنما أمرهم بالرفق، كما في ورواية الجماعة للحديث إلا مسلماً أنه قال: "إنما بُعثْتُم ميسرين ولم تُبْعَثوا مُعَسّرين" . ولو كان الإنكار غير جائز لقال لهم: إنه لم يأت الأعرابي ما يوجب نهيكم له.
ومنها: الرفق بالجاهل وعدم التعنيف، ومنها حسن خلقه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ولطفه بالمتعلم، ومنها أن الإبعاد عند قضاء الحاجة إنما هو لمن يريد الغائط لا البول؛ فإنه كان عُرْفُ العرب عدم ذلك وأقره الشارع، وقد بال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وجعل رجلاً عند عقبه يستره، ومنها دفع أعظم المضرتين بأخفهما؛ لأنه لو قطع عليه بوله لأضر به، وكان يحصل من تقويمه من محله، مع ما قد حصل من تنجيس المسجد، تنجيس بدنه وثيابه ومواضع من المسجد غير الذي قد وقع فيه البول أولاً.
11- (وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "أحلّتْ لَنا مَيْتَتَان" أي بعد تحريمهما الذي دلت عليه الآيات "ودمان" كذلك "فأمّا المَيْتَتان فالجرادُ" أي ميتته "والحوتُ" أي ميتته "وأما الدّمان. فالكبدُ والطِّحالُ" بزنة كتاب (أخرجه أحمد وابن ماجه وفيه ضعف) لأنه رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر. قال أحمد: حديثه منكر، وصح أنه موقوف كما قال أبو زرعة وأبو حاتم، وإذا ثبت أنه موقوف فله حكم المرفوع؛ لأن قول الصحابي: أحل لنا كذا وحرم علينا كذا مثل قوله: أمرنا

الصفحة 25