كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 1)

عام من تلقاء أنفسهم، ولها نظائر في عباراتهم. ولهذا ذكر المصنف هذا الحديث هنا؛ لإفادة تحريم الوضوء في انية الذهب والفضة؛ لأنه استعمال لهما على مذهبه في تحريم ذلك، وإلاّ فباب هذا الحديث باب الأطعمة والأشربة.
ثم هل يلحق بالذهب والفضة نفائس الأحجار كالياقوت والجواهر؟ فيه خلاف، والأظهر عدم إلحاقه، وجوازه على أصل الإباحة؛ لعدم الدليل الناقل عنها.
2- (وعن أم سلمة رضي الله عنها) هي أم المؤمنين زوج النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، اسمها هند بنت أبي أمية، كانت تحت أبي سلمة بن عبد الأسد، هاجرت إلى أرض الحبشة مع زوجها، وتوفي عنها في المدينة بعد عودتهما من الحبشة، وتزوجها النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في المدينة سنة أربع من الهجرة، وتوفيت سنة تسع وخمسين، وقيل: اثنتين وستين، ودفنت بالبقيع، وعمرها أربع وثمانون سنة (قالت: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "الذي يشربُ في إناء الفضَّة" هكذا عند الشيخين. وانفرد مسلم في ورواية أخرى بقوله: "في إناء الفضة والذهب" "إنما يجرجر" بضم المثناة التحتية وجيم فراء وجيم مكسورة. والجرجرة: صوت وقوع الماء في الجوف، وصوت البعير عند الجرة، وجعل الشرب والجرع جرجرة "في بطنه نار جهنم." متفق عليه) بين الشيخين.
قال الزمخشري: يروى برفع النار أي: على أنها فاعل مجازاً، وإلاّ فنار جهنم على الحقيقة لا تجرجر في بطنه، إنما جعل جرع الإنسان للماء في هذه الأواني المنهي عنها، واستحقاق العقاب على استعمالها: كجرجرة نار جهنم في جوفه مجازاً، هكذا على ورواية الرفع. وذكر الفعل يعني يجرجر وإن كان فاعله النار وهي مؤنثة للفصل بينها وبين فعلها، ولأنّ تأنيثها غير حقيقي، والأكثر على نصب نار جهنم، وفاعل الجرجرة هو الشارب والنار مفعوله، والمعنى: كأنما يجرع نار جهنم من باب: - {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} -. قال النووي: والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الشارحون وأهل العرف واللغة، وجزم به الأزهري. وجهنم عجمية لا تنصرف للتأنيث والعلمية؛ إذ هي علم لطبقة من طبقات النار، أعاذنا الله منها، سميت بذلك لبعد قعرها، وقيل: لغلظ أمرها في العذاب.
والحديث يدل على ما دل عليه حديث حذيفة الأول.
3- (وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إذا دبغَ الإهابُ" بزنة كتاب هو الجلد، أو ما لم يدبغ كما في القاموس، ومثله في النهآية "فقد طهر" بفتح الطاء والهاء ويجوز ضمها كما يفيده القاموس (أخرجه مسلم) بهذا اللفظ (وعند الأربعة) وهم أهل السنن: "أيُّما إهابٍ دُبغ" تمامه "فقد طهر". والحديث أخرجه الخمسة، إنما اختلف لفظه، وقد روى بألفاظ، وذكر له سبب، وهو: أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مر بشاة ميتة لميمونة فقال: "ألا استمتعتُم بإهابها فإنَّ دباغ الأديم طَهورٌ" ، وروى البخاري: من حديث سودة قالت: "ماتت لَنَا شاةٌ فدبغنا مَسْكَها ثُمَّ ما زلنا ننْتبذُ فيه حتى صار شَناً".
والحديث دليل على أنّ الدباغ، مطهر لجلد ميتة كلّ حيوان، كما يفيده عموم كلمة "أيما"، وأنه يطهر باطنه وظاهره.
وفي المسألة سبعة أقوال:
الأول: أنّ الدباغ يطهر جلد الميتة

الصفحة 30