كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 1)

بخلاف أعلاه، وهو ما على ظهر القدم (وقد رأيت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يَمْسَحُ على ظاهرِ خفيه، أخرجه أبو داود بإسناد حسن) وقال المصنف في التلخيص: إنه حديث صحيح.
والحديث فيه إبانة لمحل المسح على الخفين، وأنه ظاهرهما، لا غير، ولا يمسح أسفلهما.
وللعلماء في ذلك قولان: أحدهما أن يغمس يديه في الماء، ثم يضع باطن كفه اليسرى تحت عقب الخف، وكفه اليمنى على أطراف أصابعه، ثم يمر اليمنى إلى ساقه، واليسرى إلى أطراف أصابعه. وهذا للشافعي. واستدل لهذه الكيفية بما ورد في حديث المغيرة: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم مسح على خفيه، ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن، ويده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة، كأني أنظر أصابعه على الخفين" رواه البيهقي، وهو منقطع، على أنه لا يفي بتلك الصفة.
وثانيهما: مسح أعلى الخف دون أسفله، وهي التي أفادها حديث علي عليه السلام هذا.
وأما القدر المجزىء من ذلك: فقيل: لا يجزىء إلا قدر ثلاث أصابع، وقيل: ولو بأصبع، وقيل: لا يجزىء إلا إذا مسح أكثره، وحديث علي، وحديث المغيرة المذكوران في الأصل ليس فيهما تعرض لذلك. نعم قد روى عن علي عليه السلام: أنه رأى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يمسح على ظهر الخف خطوطاً بالأصابع. قال النووي: إنه حديث ضعيف. وروى عن جابر: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أرى بعض من علمه المسح، أن يمسح بيده من مقدم الخفين إلى أصل الساق مرة، وفرج بين أصابعه". قال المصنف: إسناده ضعيف جداً. فعرفت أنه لم يرد في الكيفية، ولا الكمية حديث يعتمد عليه إلا حديث علي في بيان محل المسح. والظاهر أنه إذا فعل المكلف ما يسمى مسحاً على الخف لغة أجزأه. وأما مقدار زمان جواز المسح فقد أفاده الحديث.
4- (وعن صفوان) بفتح الصاد المهملة وسكون الفاء (ابن عسال) بفتح المهملة وتشديد السين المهملة وباللام المرادي سكن الكوفة (قال: كان النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يأمُرُنا إذا كنّا سَفْراً ) جمع سافر كتجر جمع تاجر ( ألا ننزَع خفافَنا ثلاثةَ أيام ولياليهن إلا من جنابة ) أي فننزعها ولو قبل مرور الثلاث (ولكن) لا ننزعهن ( من غائط وبول ونوم ) أي لأجل هذه الأحداث إلا إذا مرت المدة المقدرة (أخرجه النسائي، والترمذي، واللفظ له، وابن خزيمة، وصححاه) أي الترمذي، وابن خزيمة، ورواه الشافعي، وابن ماجه، وابن حبان، والدارقطني، والبيهقي، وقال الترمذي عن البخاري: إنه حديث حسن. بل قال البخاري: ليس في التوقيت شيء أصح من حديث صفوان بن عسال المرادي، وصححه الترمذي، والخطابي.
والحديث دليل على توقيت إباحة المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وفيه دلالة على اختصاصه بالوضوء دون الغسل وهو مجمع عليه. وظاهر قوله: "يأمرنا" الوجوب، ولكن الإجماع صرفه عن ظاهره فبقي للإباحة وللندب.
وقد اختلف العلماء: هل الأفضل المسح على الخفين، أو خلعهما وغسل القدمين. قال المصنف عن ابن المنذر: والذي اختاره أن المسح أفضل. وقال النووي: صرح أصحابنا: بأن الغسل أفضل، بشرط أن لا يترك المسح رغبة عن السنة، كما قالوا في تفضيل القصر على الإتمام.
5- (وعن علي عليه السلام قال: جعل رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ثلاثة أيام

الصفحة 59