كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 1)

إلى أنه يستحب الوضوء ولا يجب إلاّ لحدث اخر.
وسيأتي تحقيق ما في ذلك في حديث حمنة بنت جحش في باب الحيض إن شاء الله تعالى، وتأتي أحكام المستحاضة التي تجوز لها، وتفارق بها الحائض هنالك فهو محل الكلام عليها، وفي الشرح سرده هنا، وأما هنا فما ذكر حديثها إلا باعتبار نقض الاستحاضة للوضوء.
3- (وعن علي عليه السلام قال: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً) بزنة ضراب صيغة مبالغة من المذي بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء، وفيه لغات، وهو ماء أبيض لزج رقيق يخرج عند الملاعبة، أو تذكر الجماع، أو إرادته، يقال: مذى زيد يمذي، مثل: مضى يمضي، وأمذى يمذي، مثل: أعطى يعطي (فأَمَرْتُ المقْدَادَ) وهو ابن الأسود الكندي (أنْ يسألَ رسولَ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم) أي: عما يجب على مَنْ أمذى، فسأله (فقال: فيه الوُضُوءُ. متفق عليه واللفظ للبخاري(.
وفي بعض ألفاظه عند البخاري بعد هذا: "فاستحييت أن أسأل رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم.
"وفي لفظ: "لمكان ابنته مني" وفي لفظ لمسلم: "لمكان فاطمة".
ووقع عند أبي داود، والنسائي، وابن خزيمة عن علي عليه السلام بلفظ: "كنت رجلاً مذاءً فجعلت أغتسل منه في الشتاء حتى تشقق ظهري". وزاد في لفظ للبخاري فقال: "توضأ واغسل ذكرك" ، وفي مسلم: "اغسل ذكرك وتوضأ" ، وقد وقع اختلاف في السائل هل هو المقداد كما في هذه الرواية، أو عمار كما في ورواية أخرى؟ وفي ورواية أخرى: أن علياً رضي الله عنه هو السائل.
وجمع ابن حبان بين ذلك: بأن علياً عليه السلام أمر المقداد أن يسأل، ثم سأل بنفسه، إلا أنه تعقب: بأن قوله: فاستحييت أن أسأل لمكان ابنته مني: دالّ على أنه رضي الله عنه لم يباشر السؤال، فنسبة السؤال إليه في ورواية مَنْ قال: إنّ علياً سأل: مجاز؛ لكونه الآمر بالسؤال.
والحديث دليل على أنّ المذي ينقض الوضوء، ولأجله ذكره المصنف في هذا الباب، ودليل على أنه لا يوجب غسلاً، وهو إجماع، ورواية "توضأ واغسل ذكرك" لا تقتضي تقديم الوضوء؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب، ولأن لفظ رواية مسلم تبين المراد، وأما إطلاق لفظ (ذكرك) فهو ظاهر في غسل الذكر كله، وليس كذلك، إذ الواجب غسل محل الخارج، وإنما هو من إطلاق اسم الكل على البعض، والقرينة ما علم من قواعد الشرع.
وذهب البعض إلى أنه يغسله كله عملاً بلفظ الحديث، وأيده رواية أبي داود: "يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ" ، وعنده أيضاً: "فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك وتوضأ للصلاة" إلا أنّ ورواية غسل الأنثيين قد طعن فيها، وأوضحناه في حواشي ضوء النهار، وذلك أنها من ورواية عروة، عن علي، وعروة لم يسمع من علي، إلا أنه رواه أبو عوانة في صحيحه من طريق عبيدة، عن علي بالزيادة. قال المصنف في التلخيص: وإسناده لا مطعن فيه، فمع صحتها فلا عذر عن القول بها.
وقيل: الحكمة فيه: أنه إذا غسله كله تقلص فبطل خروج المذي، واستدل بالحديث على نجاسة المذي.
4-(وعن عائشة: أنَّ النَّبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قَبّل بَعْضَ نِسائِهِ، ثمَّ خَرَجَ إلى الصَّلاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأ . أخرجهُ أحمد، وضعّفهُ البُخاريُّ.
وأخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. قال الترمذي: سمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وأبو داود

الصفحة 65