كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 1)

وتقدم الكلام في ذلك وكان الأولى بحسن الترتيب أن يذكر المصنف هذا الحديث عقب حديث أنس في أول باب النواقض كما لا يخفى.
14- (ولأبي داودَ أيْضاً عن ابن عباس رضي الله عنهُمَا مَرْفوعاً: "إنما الوُضُوءُ على مَنْ نَامَ مُضْطَجِعاً" وفي إسنادِهِ ضَعْفٌ أيضاً.
لأنه قال أبو داود: إنه حديث منكر، وبين وجه نكارته، وفيه القصر على أنه لا ينقض إلا نوم المضطجع، لا غير، ولو استغرقه النوم، فالجمع بينه وبين ما مضى من الأحاديث: أنه خرج على الأغلب، فإنّ الأغلب على من أراد النوم الاضطجاع، فلا معارضة.
15- (وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أنَّ النّبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم احْتَجَمَ وصلى، ولمْ يَتَوَضَّأ" ، أخرجهُ الدارقطني، ولَيّنَهُ.
أي: قال: هو لين؛ وذلك لأن في إسناده صالح بن مقاتل، وليس بالقوي، وذكره النووي في فصل الضعيف.
والحديث مقرر للأصل، دليل على أن خروج الدم من البدن غير الفرجين لا ينقض الوضوء. وفي الباب أحاديث تفيد عدم نقضه عن ابن عمر، وابن عباس، وابن أبي أوفى.
وقد اختلف العلماء في ذلك.
فالهادوية: على أنه ناقض بشرط أنه يكون سائلاً يقطر، أو يكون قدر الشعيرة يسيل في وقت واحد من موضع واحد إلى ما يمكن تطهيره.
وقال زيد بن علي، و الشافعي، و مالك، و الناصر، وجماعة من الصحابة، والتابعين: إن خروج الدم من البدن من غير السبيلين ليس بناقض؛ لحديث أنس هذا؛ وما أيّده من الاثار عمن ذكرناه، ولقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا وضوء إلا من صوت، أو ريح" أخرجه أحمد، والترمذي، وصححه. وأحمد، والطبراني بلفظ: "لا وضوء إلا من ريح، أو سماع" ؛ لأن الأصل عدم النقض حتى يقوم ما يرفع الأصل، ولم يقم دليل على ذلك.
16- (وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "يأتي أحدكم الشيطان في صلاته" حال كونه فيها "فيَنْفخ في مقْعَدَته فيُخَيّل إليه" يحتمل أنه مبني للفاعل، وفيه ضمير للشيطان، وأنهُ الذي يخيل: أي يوقع في خيال المصلي أنه أحدث، ويحتمل أنه مبني للمفعول ونائبه "أنّه أحْدَثَ ولم يحْدثْ، فإذا وَجَدَ ذلكَ، فلا يَنْصَرِفْ حتى يسْمَعَ صَوْتاً، أو يَجدَ ريحاً" . أخرجه البزار) بفتح الموحدة وتشديد الزاي بعد الألف راء، وهو الحافظ العلامة أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير المعلل أخذ عن الطبراني وغيره، وذكره الدارقطني، وأثنى عليه، ولم يذكر الذهبي ولادته، ولا وفاته.
والحديث تقدم ما يفيد معناه، وهو إعلان من الشارع بتسليط الشيطان على العباد حتى في أشرف العبادات ليفسدها عليهم، وأنه لا يضرهم ذلك، ولا يخرجون عن الطهارة إلا بيقين (وأصله في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد(.
17- (ولمسلم نحوه) تقدم حديث أبي هريرة في هذا الباب.
18- (وللحاكم عن أبي سعيد) هو الخدري، تقدم (مرفوعاً: "إذا جاء أحدكم الشّيْطانُ فقالَ" أي: وسوس له قائلاً "إنّك أحدثْتَ فَلْيَقُل: كَذَبْتَ" يحتمل أنه يقوله لفظاً، أو في نفسه: ولكن قوله: (وأخرجه ابن حبان بلفظ: فليقل في نفسه) بين أن المراد الاخر منه. وقد روى حديث الحاكم بزيادة بعد قوله: كذبت: "إلا من وجد ريحاً،

الصفحة 72