كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 1)

ولم أرها في غيره. وإنما قلنا: إذا أراد دخوله، لقوله: دخل؛ لأنه بعد دخول الخلاء لا يقول ذلك، وقد صرح بما قرره البخاري في الأدب المفرد من حديث أنس قال: "كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا أراد أن يدخل الخلاء" الحديث. وهذا في الأمكنة المعدة لذلك، بقرينة الدخول، ولذا قال ابن بطال: رواية "إذا أتى" أعم لشمولها.
ويشرع هذا الذكر في غير الأماكن المعدة لقضاء الحاجة، وإن كان الحديث ورد في الحشوش، وأنها تحضرها الشياطين. ويشرع القول بهذا في غير الأماكن المعدة عند إرادة رفع ثيابه، وفيها قبل دخولها، وظاهر حديث أنس أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان يجهر بهذا الذكر، فيحسن الجهر به.
3- (وعن أنس) كأنه ترك الإضمار فلم يقل: وعنه لبعد الاسم الظاهر، بخلافه في الحديث الثاني، وفي بعض النسخ من بلوغ المرام وعنه بالإضمار أيضاً (قال: كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يدخُلُ الخلاء فأحْمل أنا وغلام) الغلام هو المترعرع قيل: إلى حد السبع سنين. وقيل: إلى الالتحاء، ويطلق على غيره مجازاً (نحوي إدَاوَةً) بكسر الهمزة إناء صغير من جلد يتخذ للماء (منْ ماء وعنَزَةً) بفتح العين المهملة وفتح النون فزاي هي عصا طويلة في أسفلها زج، ويقال: رمح قصير (فيستنجي بالماء. متفق عليه) المراد بالخلاء هنا: الفضاء بقرينة العنزة؛ لأنه كان إذا توضأ صلى إليها في الفضاء، أو يستتر بها: بأن يضع عليها ثوباً، أو لغير ذلك من قضاء الحاجات التي تعرض له، ولأن خدمته في البيوت تختص بأهله، والغلام الآخر اختلف فيه، فقيل: ابن مسعود، وأطلق عليه ذلك مجازاً، ويبعده قوله: نحوي، فإن ابن مسعود كان كبيراً، فليس نحو أنس في سنه، ويحتمل أنه أراد نحوي: في كونه كان يخدم النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فيصح؛ فإن ابن مسعود كان صاحب سواد رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، يحمل نعله، وسواكه، أو لأنه مجاز، كما في الشرح.
وقيل: هو أبو هريرة، وقيل: جابر بن عبد الله.
الحديث دليل على جواز الاستخدام للصغير، وعلى الاستنجاء بالماء.
ونقل عن مالك أنه أنكر استنجاء النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بالماء، والأحاديث قد أثبتت ذلك فلا سماع لإنكار مالك.
قيل: وعلى أنه أرجح من الاستنجاء بالحجارة، وكأنه أخذه من زيادة التكلّف بحمل الماء بيد الغلام، ولو كان يساوي الحجارة، أو هي أرجح منه، لما احتاج إلى ذلك.
والجمهور من العلماء على أن الأفضل الجمع بين الحجارة والماء: فإن اقتصر على أحدهما، فالأفضل الماء حيث لم يرد الصلاة، فإن أرادها فخلاف، فمن يقول: تجزىء الحجارة، لا يوجبه، ومن يقول: لا تجزىء، يوجبه.
ومن اداب الاستنجاء بالماء مسح اليد بالتراب بعده كما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة: "كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا أتى الخلاء أتيت بماء في تور، أو ركوة فاستنجى منه، ثم مسح يده على الأرض" .
وأخرج النسائي من حديث جرير، قال: كنت مع النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فأتى الخلاء، فقضى حاجته ثم قال: "يا جرير هات طهوراً، فأتيته بماء فاستنجى، وقال بيده، فدلك بها الأرض" ويأتي مثله في الغسل.
4- (وعن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "خُذْ الإداوَةَ" : فانطلق ) أي: النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ( حتى توارى عني فقضى حاجته، متفق علي).
الحديث

الصفحة 74