كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 1)

دليل على التواري عند قضاء الحاجة، ولا يجب؛ إذ الدليل فعل، ولا يقتضي الوجوب، لكنه يجب بأدلة ستر العورات عن الأعين.
وقد ورد الأمر بالاستتار من حديث أبي هريرة عند أحمد، وأبي داود، وابن ماجه: أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "من أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره؛ فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني ادم، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج" فدل على استحباب الاستتار، كما دل على رفع الحرج، ولكن هذا غير التواري عن الناس، بل هو خاص، بقرينة: "فإن الشيطان"، فلو كان في فضاء ليس فيه إنسان، استحبّ له أن يستتر بشيء، ولو بجمع كثيب من رمل.
5- (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: " اتّقوا اللاَّعنَيْن" بصيغة التثنية، وفي ورواية مسلم قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: "الذي يتخلى في طَريق الناس أوْ في ظلِّهم" رواه مسلم). قال الخطابي: يريد باللاعنين: الأمرين الجالبين للعن الحاملين للناس عليه، والداعيين إليه، وذلك أن من فعلهما لعن وشتم، يعني: أن عادة الناس لعنة، فهو سبب، فانتساب اللعن إليهما من المجاز العقلي؛ قالوا: وقد يكون اللاعن بمعنى الملعون، فاعل بمعنى مفعول، فهو كذلك من المجاز العقلي. والمراد بالذي يتخلى في طريق الناس: أي: يتغوط فيما يمر به الناس؛ فإنه يؤذيهم بنتنه واستقذاره، ويؤدي إلى لعنه، فإن كان لعنه جائزاً، فقد تسبب إلى الدعاء عليه بإبعاده عن الرحمة، وإن كان غير جائز، فقد تسبب إلى تأثيم غيره بلعنه.
فإن قلت: فأي الأمرين أريد هنا؟
قلت: أخرج الطبراني في الكبير بإسناد حسنه الحافظ المنذري عن حذيفة بن أسيد: أنّ النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم".
وأخرج في الأوسط، والبيهقي، وغيرهما برجال ثقات إلا محمد بن عمرو الأنصاري، وقد وثقه ابن معين من حديث أبي هريرة: سمعت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقول: "من سل سخيمته على طريق من طرق الناس المسلمين فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين" . والسخيمة بالسين المفتوحة المهملة والخاء المعجمة فمثناة تحتية: العذرة. فهذه الأحاديث دالة على استحقاقه اللعنة.والمراد بالظل هنا مستظلّ الناس الذي اتخذوه مقيلاً ومناخاً ينزلونه ويقعدون فيه، إذ ليس كل ظل يحرم القعود لقضاء الحاجة تحته، فقد قعد النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم تحت حائش النخل لحاجته، وله ظل بلا شك. قلت: يدل له حديث أحمد: "أو ظل يستظل به".
6- (وزاد أبو داود عن معاذ: والموارد، ولفظه :" اتّقوا المَلاعن الثّلاثةَ البَرَازَ" بفتح الموحدة فراء مفتوحة اخره زاي، وهو: المتسع من الأرض يكنى به عن الغائط، وبالكسر المبارزة في الحرب "في الموارد" جمع مورد وهو الموضع الذي يأتيه الناس من رأس عين، أو نهر لشرب الماء، أو للتوضىء "وقَارعةِ الطّريق" المراد الطريق الواسع الذي يقرعه الناس بأرجلهم، أي يدقونه ويمرون عليه "والظل" تقدم المراد به.
7- (ولأحمد عن ابن عباس: "أوْ نقع ماء" بفتح النون وسكون القاف فعين مهملة.

الصفحة 75