كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 1)

وإنما يجب الاستنجاء بالماء للصلاة.وذهب الشافعي إلى أنه مخيّر بين الماء، والحجارة، أيهما فعل أجزأه.
وإذا اكتفى بالحجارة، فلا بد عنده من الثلاث المسحات، ولو زالت العين بدونها، وقيل: إذا حصل الإنقاء بدون الثلاث أجزأ، وإذا لم يحصل بثلاث، فلا بدّ من الزيادة، ويندب الإيتار. ويستحب التثليث في القبل والدبر فتكون ستة أحجار، وورد ذلك في حديث.
قلت: إلا أن الأحاديث لم تأتِ في طلبه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لابن مسعود، وأبي هريرة، وغيرهما إلا بثلاثة أحجار، وجاء بيان كيفية استعمالها في الدبر، ولم يأتِ في القبل، ولو كانت الست مرادة لطلبها صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عند إرادته التبرز، ولو في بعض الحالات، فلو كان حجر له ستة أحرف أجزأ المسح به.
ويقوم غير الحجارة مما ينقي مقامها:
خلافاً للظاهرية فقالوا: بوجوب الأحجار تمسكاً بظاهر الحديث.
وأجيب: بأنه خرج على الغالب؛ لأنه المتيسَّر، ويدل على ذلك نهيه أن يستنجى برجيع أو عظم. ولو تعيّنت الحجارة لنهى عما سواها، وكذلك نهى عن الحمم، فعند أبي داود: "مُرْ أمّتك أن لا يستنجوا بروثة أو حممة؛ فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقاً" فنهى صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عن ذلك.
وكذلك ورد في العظم: أنها من طعام الجن، كما أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود، وفيه: "أنه قال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم للجن لما سألوه الزاد: "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة علف لدوابكم" .
ولا ينافيه تعليل الروثة بأنها ركس في حديث ابن مسعود، لما طلب منه رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أن يأتيه بثلاثة أحجار، فأتاه بحجرين وروثة، فألقى الروثة، وقال: "إنها ركس" فقد يعلل الأمر الواحد بعلل كثيرة ولا مانع أيضاً أن تكون رجساً، وتجعل لدواب الجن طعاماً. ومما يدل على عدم النهي عن استقبال القمرين الحديث الآتي:
12- وهو قوله (وللسبعة من حديث أبي أيوب) واسمه خالد بن زيد بن كليب الأنصاري من أكابر الصحابة شهد بدراً، ونزل النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم حال قدومه المدينة عليه. مات غازياً سنة خمسين بالروم، وقيل: بعدها.
والحديث مرفوع أوله: أنه قال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إذا أتيتم الغائط" الحديث، وفي آخره من كلام أبي أيوب قال: "فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة" الحديث تقدم؛ فقوله: "فلا تستَقبلوا القبْلَةَ ولا تستدبروها ببَوْل أو غائط ولكن شرّقوا أو غرّبوا" صريح في جواز استقبال القمرين، واستدبارهما؛ إذ لا بد أن يكونا في الشرق أو الغرب غالباً.
13- (وعن عائشة رضي الله عنها إنَّ النّبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "مَنْ أتى الغَائِطَ فَلْيَسْتَترْ" رواه أبو داود.
هذا الحديث في السنن نسبه إلى أبي هريرة، وكذلك في التلخيص، وقال: مداره على أبي سعيد الحبراني الحمصي وفيه اختلاف. قيل: إنه صحابي، ولا يصح، والراوي عنه مختلف فيه.
والحديث كالذي سلف: دال على وجوب الاستتار، وقد قدمنا شطره، ولفظه في السنن عن أبي هريرة عن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن،

الصفحة 79