كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 1)

ومن لا فلا حرج، ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج، ومن أكل فما تخلل فليلفظ، وما لاك بلسانه فليبتلع، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج؛ ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستتر به، فإنّ الشيطان يلعب بمقاعد بني ادم، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج" فهذا الحديث الذي أخرجه أبو داود عن أبي هريرة، وليس له هنا عن عائشة رواية، ثم هو مضعّف بمن سمعت، فكان على المصنف أن يعزوه إلى أبي هريرة، وأن يشير إلى ما فيه على عادته في الإشارة إلى ما قيل في الحديث، وكأنه ترك ذلك؛ لأنه قال في فتح الباري: إن إسناده حسن، وفي البدر المنير: أنه حديث صحيح صححه جماعة، منهم ابن حبان، والحاكم، والنووي.
14- (وعنها) أي عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان إذا خرج من الغائط قال: "غفرانك" بالنصب على أنه مفعول فعل محذوف: أي: أطلب غفرانك (أخرجه الخمسة وصححه الحاكم وأبو حاتم(.
ولفظة "خرج" تشعر بالخروج من المكان كما سلف في لفظ: "دخل"، ولكن المراد أعم منه، ولو كان في الصحراء.
قيل: واستغفاره صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم من تركه لذكر الله وقت قضاء الحاجة؛ لأنه كان يذكر الله على كل أحيانه، فجعل تركه لذكر الله في تلك الحال تقصيراً، وعدّه على نفسه ذنباً، فتداركه بالاستغفار.
وقيل: معناه التوبة من تقصيره في شكر نعمته التي أنعم بها عليه، فأطعمه، ثم هضمه، ثم سهل خروج الأذى منه، فرأى شكره قاصراً عن بلوغ حق هذه النعمة، ففزع إلى الاستغفار منه، وهذا أنسب ليوافق حديث "أنس قال: كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني. رواه ابن ماجه. وورد في وصف نوح عليه السلام: أنه كان يقول من جملة شكره بعد الغائط: "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى ولو شاء حبسه فيّ" . وقد وصفه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بأنه كان عبداً شكوراً.
قلت: ويحتمل أن استغفاره للأمرين معاً، ولما لا نعلمه، على أنه قد يقال: إنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وإن ترك الذكر بلسانه حال التبرز لم يتركه بقلبه.
وفي الباب من حديث أنس: أنه كان صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقول: " الحمد لله الذي حسن إليَّ في أوله وآخره".
وحديث ابن عمر: أنه كان يقول إذا خرج: "الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى فيَّ قوته وأذهب عني أذاه" . وكل أسانيدها ضعيفة.
وقال أبو حاتم: أصح ما فيه حديث عائشة.
قلت: لكنه لا بأس في الإتيان بها جميعاً شكراً على النعمة، ولا يشترط الصحة للحديث في مثل هذا.
15- (وعن ابن مسعود) هو عبد الله بن مسعود. قال الذهبي: هو الإمام الرباني أبو عبد الرحمن، عبد الله بن أم عبد الهذلي، صاحب رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وخادمه، وأحد السابقين الأولين، من كبار البدريين، ومن نبلاء الفقهاء والمقربين. أسلم قديماً، وحفظ من فيِّ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم سبعين سورة، وقال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "مَنْ أحب أن يقرأ القران غضّاً، كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد" ، وفضائله جمة عديدة. توفي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، وله نحو من ستين سنة (قال: أتى النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم الغائط فأمرني

الصفحة 80