كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 1)

عَلَيْهِ وَسَلّم احتجم، وصلى، ولم يتوضأ" فدل على أنه سنة: يفعل تارة، كما أفاده حديث عائشة هذا، ويترك أخرى، كما في حديث أنس، ويروى عن علي عليه السلام: "الغسل من الحجامة سنة، وإن تطهرت أجزأك".
وأما الغسل من غسل الميت فتقدم الكلام فيه. وللعلماء فيه ثلاثة أقوال. أنه سنة وهو أقربها، وأنه واجب، وأنه لا يستحب.
5- (وعن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه قال: (في قصة ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم (ابن أثال) بضم الهمزة فمثلثة مفتوحة وهو الحنفي سيد أهل اليمامة (عندما أسلم) أي عند إسلامه: (وأمره النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أن يغتسل. رواه عبد الرزاق(.
وهو الحافظ الكبير: عبد الرزاق بن همام الصنعاني صاحب التصانيف، روى عن عبيد الله بن عمر، وعن خلائق. وعنه أحمد، وإسحاق، وابن معين، والذهلي. قال الذهبي: وثقه غير واحد، وحديثه مخرج في الصحاح، كان من أوعية العلم. مات في شوال سنة إحدى عشرة ومائتين. (وأصله متفق عليه) بين الشيخين.
الحديث: دليل على شرعية الغسل بعد الإسلام، وقوله: أمره يدل على الإيجاب. وقد اختلف العلماء في ذلك:
فعند الهادوية: إنه إذا كان قد أجنب حال كفره، وجب عليه الغسل للجنابة، وإن كان قد اغتسل حال كفره، فلا حكم له، وحديث: "الإسلام يجب ما قبله" لا يوافق هذا القول.
وعند الحنفية: أنه إن كان قد اغتسل حال كفره فلا غسل عليه.
وعند الشافعية، وغيرهم: لا يجب عليه الغسل بعد إسلامه للجنابة؛ للحديث المذكور، وهو: "إن الإسلام يجب ما قبله" ، وأما إذا لم يكن أجنب حال كفره، فإنه يستحب له الاغتسال، لا غيره.
أما عند أحمد فقال: يجب عليه مطلقاً؛ لظاهر حديث الكتاب، ولما أخرجه أبو داود من حديث قيس بن عاصم قال: "أتيت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أريد الإسلام، فأمرني أن أغتسل بماء وسدر" وأخرجه الترمذي، والنسائي بنحوه.
6- (وعن أبي سعيد الخدْرِيِّ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "غُسْلُ الجُمُعةِ واجب على كُلِّ مُحْتَلمٍ". أخرَجَهُ السّبعَةُ.
هذا دليل داود في إيجابه غسل الجمعة، والجمهور يتأولونه بما عرفت قريباً، وقد قيل: إنه كان الإيجاب أول الأمر بالغسل؛ لما كانوا فيه من ضيق الحال، وغالب لباسهم الصوف، وهم في أرض حارة الهواء، فكانوا يعرقون عند الاجتماع لصلاة الجمعة، فأمرهم صلى الله عليه وآله وسلم بالغسل، فلما وسع الله عليهم، ولبسوا القطن، رخص لهم في ذلك.
7- (وعن سمرة) تقدم ضبطه (ابن جندب) بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة بعدها موحدة، هو أبو سعيد في أكثر الأقوال. سمرة بن جندب الفزاري حليف الأنصار، نزل الكوفة، وولي البصرة، وعداده في البصريين، كان من الحفاظ المكثرين بالبصرة. مات اخر سنة تسع وخمسين (قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "مَنْ تَوَضأ يَوْمَ الجُمُعة فبها" أي بالسنة أخذ "ونعمتْ" السنة، أو بالرخصة أخذ ونعمت؛ لأن السنة الغسل. أو بالفريضة أخذ، ونعمت الفريضة؛ فإن الوضوء هو الفريضة "ومن اغتسل فالغسل أفْضَلُ" رواه الخمسة، وحسنه الترمذي)، ومن صحّح سماع الحسن من سمرة قال: الحديث

الصفحة 87