كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 1)

بها الصلاة.وفيه دليل، أن التراب يرفع الحدث كالماء، لاشتراكهما في الطهورية، وقد يمنع ذلك، ويقال: الذي له من الطهورية استباحة الصلاة به، كالماء. ويدل على جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض. وفي رواية: "وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجداً وطهوراً" وهو من حديث أبي أمامة عند أحمد، وغيره.
وأما قول من منع من ذلك مستدلاً بقوله في بعض روايات الصحيح: "وجعلت تربتها طهوراً" أخرجه مسلم، فلا دليل فيه على اشتراط التراب؛ لما عرفت في الأصول: من أن ذكر بعض أفراد العام لا يخصص به، ثم هو مفهوم لقب لا يعمل به عند المحققين.
نعم في قوله تعالى: في آية المائدة في التيمم: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ} -. دليل على أن المراد التراب؛ وذلك أن كلمة من للتبعيض كما قال في الكشاف حيث قال: إنه لا يفهم أحد من العرب قول القائل: مسحت برأسه من الدهن، ومن التراب إلا معنى التبعيض، انتهى. والتبعيض لا يتحقق إلا في المسح من التراب، لا من الحجارة ونحوها "فأيما رجل" هو للعموم في قوة: فكل رجل "أدركته الصلاة فليصل" أي: على كل حال، وإن لم يجد مسجداً، ولا ماء: أي: بالتيمم كما بينته ورواية أبي أمامة: "فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فلم يجد ماء: وجد الأرض طهوراً، ومسجداً" .
وفي لفظ: "فعنده طهوره ومسجده" وفيه: أنه لا يجب على فاقد الماء تطلبه (وذكر الحديث) أي: ذكر جابر بقية الحديث، فالمذكور في الأصل اثنتان.
ولنذكر بقية الخمس، فالثالثة قوله: "وأحلت لي الغنائم" ، وفي رواية: " المغانم" . قال الخطابي: كان من تقدم، أي: من الأنبياء على ضربين: منهم من لم يؤذن له في الجهاد، فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أذن لهم فيه، ولكن إذا غنموا شيئاً لم يحل لهم أن يأكلوه، وجاءت نار فأحرقته.
وقيل: أجيز لي التصرف فيها بالتنفيل، والاصطفاء، والصرف في الغانمين، كما قال الله تعالى: {قُلِ الأَنفَالُ للَّهِ وَالرَّسُولِ} -.
والرابعة قوله: "وأعطيت الشفاعة" قد عد في الشرح الشفاعات اثنتي عشرة شفاعة، واختار أن الكل من حيث هو: مختص به، وإن كان بعض أنواعها يكون لغيره. ويحتمل أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أراد بها الشفاعة العظمى، في إراحة الناس من الموقف؛ لأنها الفرد الكامل، ولذلك يظهر شرفها لكل من في الموقف.
والخامسة قوله: "وكان النبي يبعث في قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة" فعموم الرسالة خاص به صلى الله عليه وسلم وآله، فأما نوح فإنه بعث إلى قومه خاصة. نعم صار بعد إغراق من كذب به مبعوثاً إلى الأرض؛ لأنه لم يبق إلا من كان مؤمناً به، ولكن ليس العموم في أصل البعثة. وقيل: غير ذلك.
وبهذا عرفت أنه صلى الله عليه وآله وسلم وآله مختص بكل واحدة من هذه الخمس، لا أنه مختص بالمجموع. وأما الأفراد فقد شاركه غيره فيها، كما قيل، فإنه قول مردود، وفي الحديث فوائد جليلة مبينة في الكتب المطولة.
وكان ينبغي للمصنف أن يقول بعد قوله: وذكر الحديث. متفق عليه: ثم يعطف عليه قوله: وفي حديث حذيفة إلى آخره، لأنه بقي حديث جابر غير منسوب إلى مخرج، وإن كان قد فهم أنه متفق عليه بعطف قوله.
2- (وفي حديثِ حُذَيْفةَ، عنْدَ مسلم: "وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُوراً، إذا لمْ نجدِ المَاءَ" .
هذا القيد قرآني معتبر في الحديث الأول، كما بيناه.

الصفحة 94