كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 1)

فيه: دليل على تسمية التيمم وضوءاً "فإذا وَجَدَ" أي المسلم "الماء فليتق الله ولْيُمِسه بشرته" . رواه البزار، وصححه ابن القطان). تقدم الكلام على ضبط ألفاظهما والتعريف بحالهما (لكن صوب الدارقطني إرساله) قال الدارقطني في كتاب العلل: إرساله أصح.
وفي قوله: "إذا وجد الماء" دليل على أنه إن وجد الماء وجب إمساسه بشرته، وتمسك به من قال: إن التراب لا يرفع الحدث، وأن المراد: أن يمسه بشرته لما سلف من جنابة، فإنها باقية عليه، وإنما أباح له التراب الصلاة، لا غير، وإذا فرغ منها عاد عليه حكم الجنابة؛ ولذا قالوا: لا بد لكل صلاة من تيمم. واستدلوا بحديث عمرو بن العاص؛ وقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم له: "أصليت بأصحابك وأنت جنب؟"، وقول الصحابة له صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "إن عمراً صلى بهم وهو جنب، فأقرهم على تسميته جنباً. ومنهم من قال: "إن التراب حكمه حكم الماء يرفع الجنابة، ويصلي به ما شاء، وإذا وجد الماء لم يجب عليه أن يمسه إلا للمستقبل من الصلاة، واستدلوا: بأنه تعالى جعله بدلاً عن الماء، فحكمه حكمه، وبأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم سماه طهوراً، وسماه وضوءاً، كما سلف قريباً.
والحق أن التيمم يقوم مقام الماء، ويرفع الجنابة رفعاً مؤقتاً إلى حال وجدان الماء؛ أما إنه قائم مقام الماء، فلأنه تعالى جعله عوضاً عنه عند عدمه، والأصل أنه قائم مقامه في جميع أحكامه، فلا يخرج عن ذلك إلا بدليل. وأما إنه إذا وجد الماء اغتسل؛ فلتسميته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عمراً جنباً، ولقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "فإذا وجد الماء فليتق الله" ، فإن الأظهر أنه أمر بإمساسه الماء لسبب قد تقدم على وجدان الماء؛ إذ إمساسه لما يأتي من أسباب وجوب الغسل، أو الوضوء، معلوم من الكتاب والسنة، والتأسيس خير من التأكيد.
7- (وللترمذي عن أبي ذر) بذال معجمة مفتوحة فراء، اسمه جندب بضم الجيم وسكون النون وضم الدال المهملة وفتحها أيضاً، ابن جنادة بضم الجيم وتخفيف النون بعد الألف دال مهملة. وأبو ذر من أعيان الصحابة، وزهّادهم، والمهاجرين؛ وهو أول من حيّا النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بتحية الإسلام، وأسلم قديماً بمكة يقال: كان خامساً في الإسلام، ثم انصرف إلى قومه: إلى أن قدم المدينة على النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بعد الخندق، ثم سكن بعد وفاته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم الربذة، إلى أن مات بها سنة اثنتين وثلاثين، في خلافة عثمان، وصلى عليه ابن مسعود، ويقال: إنه مات بعده بعشرة أيام (نحوُه) أي: نحو حديث أبي هريرة، ولفظه: "قال أبو ذر: اجتويت المدينة، فأمر لي رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بإبل، فكنت فيها، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: هلك أبو ذر، قال ما حالك؟ قلت: كنت أتعرض للجنابة، وليس قربي ماء. قال: الصعيد طهور لمن لم يجد الماء، ولو عشر سنين" (وصححه) أي: حديث أبي ذر الترمذي، قال المصنف في الفتح: إنه صححه أيضاً ابن حبان، والدارقطني.
8- (وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر وليس معهما ماء فحضرت الصلاة فتيمما صعيداً طيباً) هو الطاهر الحلال، وقد قيّد الله الصعيد به في الآيتين في القران، فإطلاقه في حديث أبي هريرة مقيد بالآيات، والأحاديث (فصليا ثم وجدا الماء في الوقت) أي: وقت الصلاة التي صلياها (فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء) سماه إعادة تغليباً،

الصفحة 97