كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 1)

وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَرَّنَانِيِّينَ [1] (فَلَاسِفَةِ حَرَّانَ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ) . وَقَدْ كَانُوا مُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السبعة وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الصَّابِئِينَ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمن آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ 41: 37 وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْهُدْهُدِ أَنَّهُ قَالَ لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُخْبِرًا عَنْ بِلْقِيسَ وَجُنُودِهَا مَلِكَةِ سَبَأٍ فِي الْيَمَنِ وَمَا وَالَاهَا إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ. أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ. اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ 27: 23- 26 وقال تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ من في السَّماواتِ وَمن في الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ من النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمن يُهِنِ الله فَما لَهُ من مُكْرِمٍ إِنَّ الله يَفْعَلُ ما يَشاءُ 22: 18 وَقَالَ تَعَالَى أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا خَلَقَ الله من شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ 16: 48- 50 وقال تعالى وَلِلَّهِ يَسْجُدُ من في السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ 13: 15 وَقَالَ تَعَالَى تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمن فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً 17: 44 وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا وَلِمَّا كَانَ أشرف الأجرام المشاهدة في السموات والأرض هي الكواكب وأشرفهن مَنْظَرًا وَأَشْرَفُهُنَّ مُعْتَبَرًا الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ اسْتَدَلَّ الْخَلِيلُ عَلَى بُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ شَيْءٍ مِنْهُنَّ. وَذَلِكَ فِي قوله تعالى فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ 6: 76 أي الغائبين فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا من الْمُشْرِكِينَ 6: 77- 79 فبين بطريق البرهان القطعي أن هذه الاجرام المشاهدات من الكواكب والقمر والشمس لا يصلح شيء منها للالهية لأنها كلها مخلوقة مربوبة مدبرة مسخرة في سيرها لا تحيد عما خلقت له ولا تزيغ عنه الا بتقدير متقن محرر لا تضطرب ولا تختلف
__________
[1] قال في معجم البلدان (حران) بتشديد الراء وآخره نون يجوز أن يكون (فعالا) من حرن الفرس إذا لم ينقد ويجوز أن يكون (فعلان) من الحر. يقال رجل حران أي عطشان وأصله من الحر وامرأة حرى وهو حران يران. والنسبة اليها حرنانى بعد الراء الساكنة نون على غير قياس كما قالوا مناني في النسبة الى مانى. والقياس مانوي وحرانى والعامة عليهما (محمود الامام) .

الصفحة 35