كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (اسم الجزء: 1)

لكن قد قال قوم: إن المراد: شهادة الزور التي هي الكذب، وهذا فيه نظر، فإنه تعالى قال: {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] ولم يقل: لا يشهدون بالزور.
والعرب تقول: شهدت كذا: إذا حضرته، كقول ابن عباس: " شهدت العيد (¬1) مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " (¬2) وقول عمر: " الغنيمة لمن شهد الوقعة " (¬3) وهذا كثير في كلامهم، وأما: شهدت بكذا، فمعناه: أخبرت به.
ووجه تفسير التابعين المذكورين: أن الزور هو المحَسَّن المموه، حتى يظهر بخلاف ما هو عليه في الحقيقة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «المتشبع (¬4) بما لم يعط كلابس ثوبي زور» (¬5) لما كان يظهر مما يعظم به مما ليس عنده، فالشاهد بالزور (¬6) يظهر كلاما يخالف الباطن، ولهذا فسره السلف تارة بما يظهر حسنه لشبهة، أو لشهوة، وهو قبيح في الباطن، فالشرك ونحوه: يظهر حسنه للشبهة، والغناء ونحوه: يظهر حسنه للشهوة.
¬_________
(¬1) في (ج) : العبد، والعيد هو الصواب.
(¬2) وبقية الحديث (وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة ". أخرجه البخاري، كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد، حديث رقم (962) من فتح الباري، (2 / 453) .
(¬3) أخرجه عبد الرزاق في المصنف، باب لمن الغنيمة برقم (9689) ، (5 / 303) .
(¬4) في (ج) : المتشيع. والمتشبع هو: المتزين بأكثر مما عنده يتكثر به ويتزين بالباطل.
انظر: مختار الصحاح (ص 327) ، مادة (ش ب ع) .
(¬5) الحديث متفق عليه.
انظر: صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب المتشبع لما لم ينل، حديث رقم (5219) من فتح الباري، (9 / 317) ؛ وصحيح مسلم، كتاب اللباس، باب النهي عن التزوير في اللباس وغيره، حديث رقم (2129) و (2130) ، (3 / 1681) .
(¬6) في (ب) : مظهر.

الصفحة 482