كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة (اسم الجزء: 1)

قال: وكان عمرو من أفراد الدهر دهاء وجلادة وحزماً ورأياً وفصاحة. ذكر محمد بن سلام الجمحي: أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى رجلاً يتلجلج في كلامه يقول: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد.
وقال مجالد عن الشعبي عن قبيصة عن جابر قال: صحبت عمر بن الخطاب فما رأيت أقرأ لكتاب الله منه، ولا أفقه في دين الله منه، ولا أحسن مداراةً منه؛ وصحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلاً أعطى للجزيل منه من غير مسئلة؛ وصحبت معاوية فما رأيت رجلاً أحلم منه؛ وصحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلاً أبين، أو قال أنصع، «1» ظرفاً منه، ولا أكرم جليساً، ولا أشبه سريرة بعلانيةٍ منه؛ وصحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها. وقال موسى بن علي بن رباح حدثنا أبي حدثنا أبو قيس مولى عمرو بن العاص: أن عمراً كان يسرد الصوم، وقلما كان يصيب من العشاء أول الليل، أكثر ما كان يأكل في السحر. وقال عمرو بن دينار: وقع بين المغيرة بن شعبة وبين عمرو بن العاص كلام فسبه المغيرة، فقال عمرو: يا آل هصيص، أيسبني ابن شعبة! فقال عبد الله ابنه: إنا لله! دعوت بدعوى القبائل وقد نهي عنها! فأعتق عمرو ثلاثين رقبة. انتهى كلام الذهبي باختصار.
قلت: ولما ولي عمرو بن العاص مصر ودخلها سكن الفسطاط. ولسبب تسمية مصر بالفسطاط أقول كثيرة، منها: أن عمراً لما أراد التوجه لفتح الإسكندرية أمر بنزع فسطاطه (أعني خيمته) فإذا فيه يمامة قد فرخت، فقال عمرو: لقد تحرّم منا بمتحرّم، فأمر به فأقرّ كما هو، وأوصى به صاحب القصر، فلما قفل المسلمون

الصفحة 64