كتاب الدر الفريد وبيت القصيد (اسم الجزء: 1)
مُتَضَمِّنَةً صُنُوفَ المَعَانِي اللَّطِيْفَةِ، وَفُنُوْنَ المَحَاسِنِ البَدِيعَةِ الطَّرِيْفَةِ، مُشْرِقَةَ الأَنْوَارِ، مُتَدَفِّقَةَ الأَنْهَارِ، مُبْتَسِمَةَ الأَزْهَارِ، يَانِعَةَ الثِّمَارِ. أَشْهَى إِلَى الخَائِفِ الوَجِلِ مِنْ رَوْحِ الأَمَانِ، وَأَشْفَى مِنَ الزُّلَالِ العَذِبِ لِصَدَى الظَّمْآنِ (¬1): [من الوافر]
¬__________
= بِسيَّاحةٍ تَنْسَاقُ مِنْ غَيْرِ سَائِقٍ ... وَتَنْقَادُ فِي الآفَاقِ مِنْ غَيْرِ قَائِدِ
إِذَا شَرَدَتْ رَدَّتْ سَخِيْمَةَ شَانِئٍ ... وَرَدَّتْ غُرُوْبًا مِنْ قُلُوْبٍ شَوَارِدِ
أَفَادَتْ صَدِيْقًا مِنْ عَدُوٍّ وَغَادَرَتْ ... أَقَارِبَ دُنْيَا مِنْ رِجَالٍ أبَاعِدِ
وَمُحْلِفَةٍ لَمَّا تَرِدُّ أَذَى سَامِعٍ ... فَتَصْدُر إِلَّا عَنْ يَمِيْنٍ وَشَاهِدِ
أَيْ تُصَدَّقُ فِي قَوْلهَا وَدَعْوَاهَا. وَقَالَ أَيْضًا (1):
مِنْ كُلِّ شَارِدَةٍ تُغَادِرُ بَعْدَهَا ... حَظّ الرِّجَالِ مِنَ القَرِيْضِ خَسِيْسَا
كَالنَّجْمِ إِنْ سَافَرَتْ كَانَ مُوَاكِبًا ... وإذا حَطَطْتَ الرّجْلَ كَانَ جَلِيْسَا
السَّيَدُ الرّضِيّ (2):
وَعِنْدِي للزَّمَانِ مُسَوَّمَاتٌ ... مِنَ الأَشْعَارِ يَخْرقْنَ الفَيَافِي
قَصَائِدُ أَنْسَتِ الشُّعَرَاءِ طُرًّا ... عَوَاءُهُمُ عَلَى إِثْرِ القَوَافِي
أَسرُّ بِهِنَّ أَقْوَامًا وَأَرْمِي ... أقيوامًا بثَالِثَةِ الأَثَافِي
(¬1) فَصْلٌ تَضِيْءُ النَّوَاظِرُ لِرُؤْيَتِهِ وَتَخْطِرُ الخَوَاطِرُ لِرِوَايَتِهِ وَيَفِيْدُ البُكْمَ بَيَانًا وَيُعِيْدُ الشِيْبَ شِبَّانًا وَيُهْدَى إِلَى القُلُوبِ رُوْح الوِصَالِ وَيَهِبُّ عَلَى النُّفُوْسِ هُبُوْبَ الشّمَالِ فَمَنْ مَرَّ عَلَى أَرْجَاءِ بَحْرِهِ الهَيَّاجِ وَنَظَرَ فِي لألَاءِهِ بَدْرِهِ الوَهَّاجِ كَانَ حَقِيْقًا بِأَنْ يَكْبُوَ قَلَمُهُ بِأَنَامِلِهِ وَيَنْبُو طَبْعُهُ عَنْ إنْشَاءِ سَائِلِهِ لأَنَّهُ بَيَانٌ قَصُرَ عَنْ نَيْلِهِ لِسَانُ البَلَاغَةِ وَلَمْ يَأْتِ بِمِثْلِهِ فُرْسَانُ اللُّغَةِ وَاليَرَاعَةِ وَكِتَابَةٌ عَادَتْ أَتْرَابُهَا كَمَشُوْرِ الهَبَاءِ وَسَحَبَتْ ذَيْلَ الفَخَارِ عَلَى هَامَةِ السَّمَاءِ فَمَنْ رَامَ أنْ يَفْرِيَ فِيْهَا كَمَا يَفْرِي وَيَسْرِىِ نُجُوْمِهَا كَمَا يَسْرِي فَقَدْ رَامَ أنْ يُشَارِكَ الشَّمْسَ فِي الشُّعَاعِ وَالفَلَكِ فِي الارْتفَاع وَهَذَا غَرَضٌ لَا يُصابُ وَدُعَاءٌ لَا يُسْتَجَابُ.
* * *
_______
(1) لأبي تمام في ديوانه 2/ 273.
(2) ديوانه 2/ 17.
الصفحة 486