كتاب شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)
والجواب عما استدلوا به: أن الرؤية ثبتت في آيات أخر، كقوله-تعالى-: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ {22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (¬1) ، وقوله: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} (¬2) ، والأخبار بذلك ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل متواترة، كما سيأتي، إن شاء الله -تعالى-.
فيتعين أن المراد بالإدراك المنفي في الآية هو الإحاطة، وبذلك فسره ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره من السلف.
قوله: "ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: "ولا يعلم الغيب إلا الله" الضمير في قوله: "إنه يعلم" يعود على محمد -صلى الله عليه وسلم - أي: من زعم أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- يعلم الغيب، فقد كذب، لأن علم الغيب يختص بالله -تعالى-، كما قال -تعالى- مخاطباً نبيه -صلى الله عليه وسلم - وأمراً له أن يقول: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} (¬3) ، والآيات في هذا كثيرة.
وعلم الغيب من خصائص الرب -تعالى- التي بعث رسله وأنزله كتبه لبيانها، ونفي ذلك عمن سواه -تعالى-.
وأما قول -تعالى-: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا {26} إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ) (¬4) ، فهي كقوله -تعالى-: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} (¬5) ، فهي تبين أن الله -تعالى يطلع من يشاء من رسله على ما يشاء من المغيبات، وذلك بوحيه إليهم، مثل إخباره عما جرى من الأمم الماضية، وما أصيبوا به من
¬_________
(¬1) الآية 22-23من سورة القيامة.
(¬2) الآية 15 من سورة المطففين.
(¬3) الآية 50 من سورة الأنعام.
(¬4) الآيتان 26-27 من سورة الجن.
(¬5) الآية 255 من سورة البقرة.