كتاب شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

وجدوا عليه آباءهم، فجاهدهم وجادلهم باللين والحكمة، وقارعهم بالسنان والحجة، لمن كابر وعاند، وكان نصر الله حليفه، فاستقام أمره، وانتصر على عدو الله، وظهر دينه، فجاء نصر الله ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وبعد تمام نعمة الله - تعالى - عليه وعلى أمته، وظهور ما جاء به من الحق، ووضوح الطريق، توفاه الله إليه، فقام بعده صحابته بأمره خير قيام، فجاهدوا في الله القريب والبعيد، حتى تحقق ما أخبر به رسولهم - صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم في "صحيحه" عن ثوبان، قال: قال رسول الله -
صلى الله عليه وسلم-: " إن الله زوى (¬1) لي الأرض فرأيت مشارقها، ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين، الأحمر، والأبيض (¬2) ، وأني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم (¬3) ، وإن ربي قال: يا محمد، إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة (¬4) ، وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً" (¬5) .
ففتحت بلاد الروم وفارس في عهد الخليفة الثاني، وأنفقت كنوزها في سبيل الله - تعالى- وواصلت جحافل التوحيد إلى مشارق الأرض ومغاربها، تفتح القلوب إلى معرفة الله وتوحيده قبل البلاد، حتى تمت نعمة الله على أكثر أهل
¬_________
(¬1) معناه: جمعها لي فرأيت أقصاها من الشرق ومن الغرب.
(¬2) المقصود بالكنزين: كنز الفرس، والروم، الأحمر: الذهب، والأبيض: الفضة.
(¬3) أي: يهلكهم جميعاً، ويستولي على بلادهم، وذراريهم، وأموالهم.
(¬4) أي: لا أرسل عليهم عذاباً يعمهم، ويستأصلهم.
(¬5) "صحيح مسلم" (4/2215) رقم (2889) .

الصفحة 4