كتاب شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الْمُتَّقِينَ} (¬1) ، {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (¬2) ، {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (¬3) ، والآيات في هذا كثيرة.
وأما الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي تنص على أن الله يحب عباده المؤمنين فإحصاؤها عسير، كقوله - صلى الله عليه وسلم-: " لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله" (¬4) ، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: " إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي" (¬5) .
وأما محبة العباد لربهم فعجيب إنكارها، إذ هي من الضروريات الثابتة بالشرع، والعقل، والفطرة، وإنكارها إنكار للواقع المحسوس.
كما أن تأويل المحرفين بأنها الاستقامة على الطاعة، كما ذكره المازري، أو أنها إرادتهم أن ينفعهم، كما نقله الحافظ عن ابن التين (¬6) ، مخالف للشرع، والعقل، والواقع المحسوس، بل قد يؤول ذلك إلى إنكار أصل دين الإسلام؛ لأن مبنى دين الإسلام على شهادة لا إله إلا الله.
ومعنى الإله: المحبوب الذي تألهه القلوب، وتحبه، وتعظمه، وتجله، وتقصده بالإنابة والخضوع والذل، والافتقار إليه، والخوف منه، ورجائه.
فمن أنكر ميل القلوب إليه تعالى بالحب والتأله، فقد أنكر حقيقة الإسلام، وهل الشرك- الذي حرمت الجنة على صاحبه - إلا أن يجعل للمخلوق
¬_________
(¬1) الآية 76 من سورة آل عمران.
(¬2) الآية 134، 148، من سورة آل عمران، والآية 93 من سورة المائدة.
(¬3) الآية 159 من سورة آل عمران.
(¬4) رواه صاحبا "الصحيحين"، انظر: "الفتح" (6/111) وأماكن أخرى، و "مسلم" (4/1871، 1872) .
(¬5) رواه مسلم في "الزهد" (4/2277) رقم (2965) .
(¬6) انظر: " الفتح" (13/357) .

الصفحة 66