كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

ولكننا سبي الْعَدو فَهَل ترى ... نعود الى اوطاننا ونسلم
فسر هَذِه الْوُجُوه انه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سبق فِي حكمه وحكمته ان الغايات الْمَطْلُوبَة لَا تنَال الا باسبابها الَّتِي جعلهَا الله اسبابا مفضية اليها وَمن تِلْكَ الغايات اعلى انواع النَّعيم وافضلها وأجلها فَلَا تنَال الا باسباب نصبها مفضية اليها وَإِذا كَانَت الغايات الَّتِي هِيَ دون ذَلِك لاتنال لَا باسبابها مَعَ ضعفها وانقطاعها كتحصيل الْمَأْكُول والمشروب والملبوس وَالْولد وَالْمَال والجاه فِي الدُّنْيَا فَكيف يتَوَهَّم حُصُول اعلى الغايات واشرف المقامات بِلَا سَبَب يفضى اليه وَلم يكن تَحْصِيل تِلْكَ الاسباب الا فِي دَار المجاهدة والحرث فَكَانَ اسكان آدم وَذريته هَذِه الدَّار الَّتِي ينالون فِيهَا الاسباب الموصلة الى أَعلَى المقامات من إتْمَام انعامه عَلَيْهِم وسرها ايضا انه سُبْحَانَهُ جعل الرسَالَة والنبوة والخلة والتكليم وَالْولَايَة والعبودية من اشرف مقامات خلقه ونهايات كمالهم فأنزلهم دَارا اخْرُج مِنْهُم الانبياء وَبعث فِيهَا الرُّسُل وَاتخذ مِنْهُم من اتخذ خَلِيلًا وكلم مُوسَى تكليما وَاتخذ مِنْهُم اولياء وشهداء وعبيدا وخاصة يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وَكَانَ إنزالهم الى الارض من تَمام الانعام والاحسان وايضا انه اظهر لخلقه من آثَار اسمائه وجريان احكامها عَلَيْهِم مَا اقتضته حكمته وَرَحمته وَعلمه وسرها ايضا انه تعرف الى خلقه بافعاله واسمائه وَصِفَاته وَمَا احدثه فِي اوليائه واعدائه من كرامته وانعامه على الاولياء واهانته واشقائه للاعداء وَمن اجابته دعواتهم وقضائه حوائجهم وتفريج كرباتهم وكشف بلائهم وتصريفهم تَحت أقداره كَيفَ يَشَاء وتقليبهم فِي أَنْوَاع الْخَيْر وَالشَّر فَكَانَ فِي ذَلِك اعظم دَلِيل لَهُم على انه رَبهم ومليكهم وانه الله الَّذِي لَا إِلَه الا هُوَ وَأَنه الْعَلِيم الْحَكِيم السَّمِيع الْبَصِير وَأَنه الاله الْحق وكل مَا سواهُ بَاطِل فتظاهرت ادلة ربوبيته وتوحيده فِي الارض وتنوعت وَقَامَت من كل جَانب فَعرفهُ الموفقون من عباده وأقروا بتوحيده إِيمَانًا واذعانا وجحده المخذولون على خليقته واشركوا بِهِ ظلما وكفرانا فَهَلَك من هلك عَن بَيِّنَة وحيي من حى بَيِّنَة وَالله سميع عليم وَمن تَأمل آيَاته المشهودة والمسموعة فِي الارض وَرَأى آثارها علم تَمام حكمته فِي اسكان آدم وَذريته فِي هَذِه الدَّار الى أجل مَعْلُوم فَالله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا خلق الْجنَّة لآدَم وَذريته وَجعل الْمَلَائِكَة فِيهَا خدما لَهُم وَلَكِن اقْتَضَت حكمته ان خلق لَهُم دَارا يتزودون مِنْهَا الى الدَّار الَّتِي خلقت لَهُم وَأَنَّهُمْ لاينالونها الا بالزاد كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي هَذِه الدَّار {وَتحمل أثقالكم إِلَى بلد لم تَكُونُوا بالغيه إِلَّا بشق الْأَنْفس إِن ربكُم لرؤوف رَحِيم} فَهَذَا شَأْن الِانْتِقَال فِي الدُّنْيَا من بلد الى بلد فَكيف الِانْتِقَال من الدُّنْيَا الى دَار الْقَرار وَقَالَ تَعَالَى {وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى} فَبَاعَ المغبونون

الصفحة 10