كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

وَلَا دَار الْبَقَاء وَكَيف يجوز ان يكون الله اسكن آدم جنَّة الْخلد ليَكُون فِيهَا من الخالدين وَهُوَ قَائِل للْمَلَائكَة اني جَاعل فِي الارض خَليفَة وَكَيف اخبر الْمَلَائِكَة انه يُرِيد ان يَجْعَل فِي الارض خَليفَة ثمَّ يسكنهُ دَار الخلود وَدَار الخلود لَا يدخلهَا الا من يخلد فِيهَا كَمَا سميت بدار الخلود فقد سَمَّاهَا الله بالاسماء الَّتِي تقدم ذكرنَا لَهَا تَسْمِيَة مُطلقَة لَا خُصُوص فِيهَا فَإِذا قيل للجنة دَار الْخلد لم يجزان ينقص مُسَمّى هَذَا الِاسْم بِحَال فَهَذَا بعض مَا احْتج بِهِ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْمَذْهَب وعَلى هَذَا فاسكان آدم وَذريته فِي هَذِه الْجنَّة لَا يُنَافِي كَونهم فِي دَار الِابْتِلَاء والامتحان وَحِينَئِذٍ كَانَت تِلْكَ الْوُجُوه والفوائد الَّتِي ذكرتموها مُمكنَة الْحُصُول فِي الْجنَّة فَالْجَوَاب ان يُقَال هَذَا فِيهِ قَولَانِ للنَّاس وَنحن نذْكر الْقَوْلَيْنِ واحتجاج الْفَرِيقَيْنِ ونبين ثُبُوت الْوُجُوه الَّتِي ذَكرنَاهَا وأمثالها على كلا الْقَوْلَيْنِ وَنَذْكُر أَولا قَول من قَالَ انها جنَّة الْخلد الَّتِي وعدها الله الْمُتَّقِينَ وَمَا احْتَجُّوا بِهِ ومانقضوا بِهِ حجج من قَالَ انها غَيرهَا ثمَّ نتبعها مقَالَة الاخرين وَمَا احْتَجُّوا بِهِ وَمَا أجابوا بِهِ عَن حجج منازعيهم من غير انتصاب لنصرة اُحْدُ الْقَوْلَيْنِ وابطال الاخر إِذْ لَيْسَ غرضنا ذَلِك وَإِنَّمَا الْغَرَض ذكر بعض الحكم والمصالح الْمُقْتَضِيَة لاخراج آدم من الْجنَّة واسكانه فِي الارض فِي دَار الِابْتِلَاء والامتحان وَكَانَ الْغَرَض بذلك الرَّد على من زعم ان حِكْمَة الله سُبْحَانَهُ تأبى ادخال آدم الْجنَّة وتعريضه للذنب الَّذِي اخْرُج مِنْهَا بِهِ وانه أَي فَائِدَة فِي ذَلِك وَالرَّدّ على ان من ابطل ان يكون لَهُ فِي ذَلِك حِكْمَة وَإِنَّمَا هُوَ صادر عَن مَحْض الْمَشِيئَة الَّتِي لَا حكمه الْحِكْمَة وَرَاءَهَا وَلما كَانَ الْمَقْصُود حَاصِلا على كل تَقْدِير سَوَاء كَانَت جنَّة الْخلد اَوْ غَيرهَا بَينا الْكَلَام على التَّقْدِيرَيْنِ ورأينا ان الرَّد على هَؤُلَاءِ بدبوس السلاق لَا يحصل غَرضا وَلَا يزِيل مَرضا فسلكنا هَذَا السَّبِيل ليَكُون قَوْلهم مردودا على كل قَول من اقوال الامة وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان وَعَلِيهِ التكلان وَلَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه فَنَقُول اما مَا ذكرتموه من كَون الْجنَّة الَّتِي اهبط مِنْهَا آدم لَيست جنَّة الْخلد وإنماهي جنَّة غَيرهَا فَهَذَا مِمَّا قد اخْتلف فِيهِ النَّاس والاشهر عِنْد الْخَاصَّة والعامة الَّذِي لَا يخْطر بقلوبهم سواهُ انها جنَّة الْخلد الَّتِي اعدت لِلْمُتقين وَقد نَص غير وَاحِد من السّلف على ذَلِك وَاحْتج من نصر هَذَا بِمَا رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث ابي مَالك الاشجعي عَن ابي حَازِم عَن ابي هُرَيْرَة وابو مَالك عَن ربعي بن حِرَاش عَن حُذَيْفَة قَالَا قَالَ رَسُول الله
يجمع الله عز وَجل النَّاس حَتَّى يزلف لَهُم الْجنَّة فَيَأْتُونَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُولُونَ يَا أَبَانَا استفتح لنا الْجنَّة فَيَقُول وَهل اخرجكم من الْجنَّة الا خَطِيئَة ابيكم آدم وَذكر الحَدِيث قَالُوا فَهَذَا يدل على ان الْجنَّة الَّتِي اخْرُج مِنْهَا آدم هِيَ بِعَينهَا الَّتِي يطْلب مِنْهُ

الصفحة 14