كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

آدم وزوجه فَإِن الله سُبْحَانَهُ اخبر فِي كِتَابه انه خلقهَا مِنْهُ ليسكن اليها وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَمن آيَاته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وَجعل بَيْنكُم مَوَدَّة وَرَحْمَة فَهُوَ سُبْحَانَهُ جعل الْمَوَدَّة بَين الرجل وزوجه وَجعل الْعَدَاوَة بَين آدم وابليس وذرياتهما وَيدل عَلَيْهِ ايضا عود الضَّمِير اليهم بِلَفْظ الْجمع وَقد تقدم ذكر آدم وزوجه وابليس فِي قَوْلهم فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فأخرجهما فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَة آدم وحواء وإبليس فلماذا يعود الضَّمِير على بعض الْمَذْكُور مَعَ منافرته لطريق الْكَلَام ولايعود على جَمِيع الْمَذْكُور مَعَ انه وَجه الْكَلَام فَإِن قيل فَمَا تَصْنَعُونَ بقوله فِي سُورَة طه: قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضكُم لبَعض عَدو وَهَذَا خطاب لادم وحواء وَقد اخبر بعداوة بَعضهم بَعْضًا قيل اما ان يكون الضَّمِير فِي قَوْله اهبطا رَاجعا الى آدم وزوجه اَوْ يكون رَاجعا الى آدم وابليس وَلم يذكر الزَّوْجَة لانها تبع لَهُ وعَلى الثَّانِي فالعداوة الْمَذْكُورَة للمخاطبين بالاهباط وهما آدم وابليس وعَلى الاول تكون الاية قد اشْتَمَلت على أَمريْن احدهما امْرَهْ لادم وزوجه بالهبوط وَالثَّانِي جعله الْعَدَاوَة بَين آدم وزوجه وابليس وَلَا بُد ان يكون ابليس دَاخِلا فِي حكم هَذِه الْعَدَاوَة قطعا كَمَا قَالَ تَعَالَى إِن هَذَا عَدو لَك ولزوجك وَقَالَ لذريته ان الشَّيْطَان لكم عَدو فاتخذوه عدوا وَتَأمل كَيفَ اتّفقت الْمَوَاضِع الَّتِي فِيهَا الْعَدَاوَة على ضمير الْجمع دون التَّثْنِيَة وَأما ذكر الاهباط فَتَارَة ياتي بِلَفْظ ضمير الْجمع وَتارَة بِلَفْظ التَّثْنِيَة وَتارَة يَأْتِي بِلَفْظ الافراد لابليس وَحده كَقَوْلِه تَعَالَى فِي سُورَة الاعراف قَالَ مَا مَنعك ان لَا تسْجد اذ امرتك قَالَ انا خير مِنْهُ خلقتني من نَار وخلقته من طين قَالَ فاهبط مِنْهَا فَمَا يكون لَك ان تتكبر فِيهَا فَهَذَا الاهباط لابليس وَحده وَالضَّمِير فِي قَوْله مِنْهَا قيل انه عَائِد الى الْجنَّة وَقيل عَائِد الى السَّمَاء وَحَيْثُ اتى بِصِيغَة الْجمع كَانَ لادم وزوجه وابليس اذ مدَار الْقِصَّة عَلَيْهِم وَحَيْثُ اتى بِلَفْظ التَّثْنِيَة فاما ان يكون لادم وزوجه إِذْ هما اللَّذَان باشرا الاكل من الشَّجَرَة واقدما على الْمعْصِيَة واما ان يكون لادم وابليس اذ هما ابوا الثقلَيْن فَذكر حَالهمَا وَمَا آل اليه امرهما ليَكُون عظة وعبرة لاولادهما وَالْقَوْلَان محكيان فِي ذَلِك وَحَيْثُ اتى بِلَفْظ الافراد فَهُوَ لابليس وَحده وَأَيْضًا فَالَّذِي يُوضح ان الضَّمِير فِي قَوْله اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا لادم وابليس ان الله سُبْحَانَهُ لما ذكر الْمعْصِيَة افرد بهَا آدم دون زوجه فَقَالَ وَعصى آدم ربه فغوى ثمَّ اجتابه ربه فَتَابَ عَلَيْهِ وَهدى قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا وَهَذَا يدل على ان الْمُخَاطب بالاهباط هُوَ آدم وَمن زين لَهُ الْمعْصِيَة وَدخلت الزَّوْجَة تبعا وَهَذَا لَان الْمَقْصُود اخبار الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ الْمُكَلّفين من الْجِنّ والانس بِمَا جرى على ابويهما من شُؤْم الْمعْصِيَة وَمُخَالفَة الْأَمر لِئَلَّا يقتدوا بهما فِي ذَلِك فَذكر ابو الثقلَيْن ابلغ فِي حُصُول هَذَا الْمَعْنى من ذكر ابوي الانس فَقَط وَقد اخبر سُبْحَانَهُ عَن الزَّوْجَة انها اكلت مَعَ آدم وَأخْبر انه اهبطه

الصفحة 16