كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

وَأخرجه من الْجنَّة بِتِلْكَ الاكلة فَعلم ان هَذَا اقْتَضَاهُ حكم الزَّوْجِيَّة وانها صَارَت الى مَا صَار اليه آدم فَكَانَ تَجْرِيد الْعِنَايَة الى ذكر الابوين الَّذين هما اصل الذُّرِّيَّة اولى من تجريدها الى ذكر ابي الانس وامهم وَالله اعْلَم وَبِالْجُمْلَةِ فَقَوله اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو ظَاهر فِي الْجمع فَلَا يسوغ حمله على الِاثْنَيْنِ فِي قَوْله اهبطا قَالُوا وَأما قَوْلكُم انه كَيفَ وسوس لَهُ بعد اهباطه مِنْهَا ومحال ان يصعد اليها بعد قَوْله تَعَالَى اهبط فَجَوَابه من وُجُوه احدهما انه اخْرُج مِنْهَا وَمنع من دُخُولهَا على وَجه السُّكْنَى والكرامة واتخاذها دَارا فَمن ايْنَ لكم انه منع من دُخُولهَا على وَجه الِابْتِلَاء والامتحان لادم وزوجه وَيكون هَذَا دُخُولا عارضا كَمَا يدْخل شَرط دَار من امروا بابتلائه ومحنته وان لم يَكُونُوا اهلا لسكنى تِلْكَ الدَّار الثَّانِي انه كَانَ يدنو من السَّمَاء فيكلمهما وَلَا يدْخل عَلَيْهِمَا دارهما الثَّالِث انه لَعَلَّه قَامَ على الْبَاب فناداهما وقاسمهما وَلم يلج الْجنَّة الرَّابِع انه قد روى انه اراد الدُّخُول عَلَيْهِمَا فمنعته الخزنة فَدخل فِي فَم الْحَيَّة حَتَّى دخلت بِهِ عَلَيْهِمَا وَلَا يشْعر الخزنة بذلك قَالُوا وَمِمَّا يدل على انها جنَّة الْخلد بِعَينهَا انها جَاءَت معرفَة بلام التَّعْرِيف فِي جَمِيع الْمَوَاضِع كَقَوْلِه اسكن انت وزوجك الْجنَّة وَلَا جنَّة يعهدها المخاطبون ويعرفونها الا جنَّة الْخلد الَّتِي وعد الرَّحْمَن عباده بِالْغَيْبِ فقد صَار هَذَا الِاسْم علما عَلَيْهَا بالغلبة وان كَانَ فِي اصل الْوَضع عبارَة عَن الْبُسْتَان ذِي الثِّمَار والفواكه وَهَذَا كالمدينة الطّيبَة والنجم للثريا ونظائرها فَحَيْثُ ورد اللَّفْظ مُعَرفا بالالف وَاللَّام انْصَرف الى الْجنَّة الْمَعْهُودَة الْمَعْلُومَة فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ وَأما ان اريد بِهِ جنَّة غَيرهَا فانها تَجِيء مُنكرَة كَقَوْلِه جنتين من اعناب اَوْ مُقَيّدَة بالاضافة كَقَوْلِه وَلَوْلَا اذ دخلت جنتك اَوْ مُقَيّدَة من السِّيَاق بِمَا يدل على انها جنَّة فِي الارض كَقَوْلِه انا بلوناهم كَمَا بلونا اصحاب الْجنَّة اذ اقسموا ليصرمنها مصبحين الايات فَهَذَا السِّيَاق وَالتَّقْيِيد يدل على انها بُسْتَان فِي الارض قَالُوا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قد اتّفق اهل السّنة وَالْجَمَاعَة على ان الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان وَقد تَوَاتَرَتْ الاحاديث عَن النَّبِي بذلك كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي انه قَالَ إِن احدكم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشى إِن كَانَ من اهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن اهل النَّار يُقَال هَذَا مَقْعَدك حَتَّى يَبْعَثك الله يَوْم الْقِيَامَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي قَالَ اختصمت الْجنَّة وَالنَّار فَقَالَت الْجنَّة مَالِي لَا يدخلني الا ضعفاء النَّاس وَسَقَطهمْ وَقَالَت النَّار مَالِي لَا يدخلني الا الجبارون والمتكبرون فَقَالَ للجنة انت رَحْمَتي ارْحَمْ بك من أَشَاء وَقَالَ للنار انت عَذَابي اعذب بك من أَشَاء الحَدِيث وَفِي السّنَن عَن ابي هُرَيْرَة ان رَسُول الله قَالَ لما خلق الله الْجنَّة وَالنَّار ارسل جِبْرِيل الى الْجنَّة فَقَالَ اذْهَبْ فَانْظُر اليها والى مَا اعددت لاهلها قَالَ

الصفحة 17