كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

فِي صفاتها واشجارها وَنَعِيمهَا وطيبها فَالله سُبْحَانَهُ فاوت بَين بقاع الارض اعظم تفَاوت وَهَذَا مشهود بالحس فَمن ايْنَ لكم ان تِلْكَ لم تكن جنَّة تميزت عَن سَائِر بقاع الارض بِمَا لَا يكون الا فِيهَا ثمَّ اهبطوا مِنْهَا الى الارض الَّتِي هِيَ مَحل التَّعَب وَالنّصب والابتلاء والامتحان وَهَذَا بِعَيْنِه هوالجواب عَن استدلالكم بقوله تَعَالَى إِن لَك الا تجوع فيهاولاتعرى ألى آخر مَا ذكرتموه مَعَ ان هَذَا حكم مُعَلّق بِشَرْط وَالشّرط لم يحصل فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِك عقيب قَوْله وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة وَقَوله ان لَك الا تجوع فِيهَا وَلَا تعرى هُوَ صِيغَة وعد مرتبطة بِمَا قبلهَا وَالْمعْنَى ان اجْتنبت الشَّجَرَة الَّتِي نهيتك عَنْهَا وَلم تَقربهَا كَانَ لَك هَذَا الْوَعْد وَالْحكم الْمُعَلق بِالشّرطِ عدم عِنْد عدم الشَّرْط فَلَمَّا اكل من الشَّجَرَة زَالَ اسْتِحْقَاقه لهَذَا الْوَعْد قَالَ واما قَوْلكُم انه لَو كَانَت الْجنَّة فِي الدُّنْيَا لعلم آدم كذب ابليس فِي قَوْله هَل أدلك على شَجَرَة الْخلد وَملك لَا يبْلى الى آخِره فدعوى لَا دَلِيل عَلَيْهَا لانه لَا دَلِيل لكم على ان الله سُبْحَانَهُ كَانَ قد اعْلَم آدم حِين خلقه ان الدُّنْيَا منقضية فانية وان ملكهَا يبْلى وَيَزُول وعَلى تَقْدِير ان يكون آدم حِينَئِذٍ قد أعلم ذَلِك فَقَوْل ابليس هَل أدلك على شَجَرَة الْخلد وَملك لَا يبْلى لَا يدل على انه اراد بالخلد مَالا يتناهى فَإِن الْخلد فِي لُغَة الْعَرَب هُوَ اللّّبْث الطَّوِيل كَقَوْلِهِم قيد مخلد وَحبس مخلد وَقد قَالَ تَعَالَى لثمود تبنون بِكُل ريع آيَة تعبثون وتتخذون مصانع لَعَلَّكُمْ تخلدون وَكَذَلِكَ قَوْله وَملك لَا يبْلى يُرَاد بِهِ الْملك الطَّوِيل الثَّابِت وَأَيْضًا فَلَا وَجه للاعتذار عَن قَول ابليس مَعَ تحقق كذبه ومقاسمته آدم وحواء على الْكَذِب وَالله سُبْحَانَهُ قد أخبر انه قاسمهما ودلاهما بغرور وَهَذَا يدل على انهما اغترا بقوله فغرهما بَان اطمعهما فِي خلد الابد وَالْملك الَّذِي لَا يبْلى وَبِالْجُمْلَةِ فالاستدلال بِهَذَا على كَون الْجنَّة الَّتِي سكنها آدم هِيَ جنَّة الْخلد الَّتِي وعدها المتقون غير بَين ثمَّ نقُول لَو كَانَت الْجنَّة هِيَ جنَّة الْخلد الَّتِي لَا يَزُول ملكهَا لكَانَتْ جَمِيع اشجارها شجر الْخلد فَلم يكن لتِلْك الشَّجَرَة اخْتِصَاص من بَين سَائِر الشّجر بِكَوْنِهَا شَجَرَة الْخلد وَكَانَ آدم يسخر من ابليس إِذْ قد علم ان الْجنَّة دَار الْخلد فَإِن قُلْتُمْ لَعَلَّ آدم لم يعلم حِينَئِذٍ ذَلِك فغره الْخَبيث وخدعه بَان هَذِه الشَّجَرَة وَحدهَا هِيَ شَجَرَة الْخلد قُلْنَا فاقنعوا منا بِهَذَا الْجَواب بِعَيْنِه عَن قَوْلكُم لَو كَانَت الْجنَّة فِي الدُّنْيَا لعلم آدم كذب ابليس فِي ذَلِك لَان قَوْله كَانَ خداعا وغرورا مَحْضا على كل تَقْدِير فَانْقَلَبَ دليلكم حجَّة عَلَيْكُم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالُوا وَأما قَوْلكُم ان قصَّة آدم فِي الْبَقَرَة ظَاهِرَة جدا فِي ان جنَّة آدم كَانَت فَوق السَّمَاء فَنحْن نطالبكم بِهَذَا الظُّهُور وَلَا سَبِيل لكم الى اثباته قَوْلكُم انه كرر فِيهِ ذكر الهبوط مرَّتَيْنِ وَلَا بُد ان يُفِيد الثَّانِي غير مَا أَفَادَ الاول فَيكون الهبوط الاول من الْجنَّة وَالثَّانِي من السَّمَاء فَهَذَا فِيهِ خلاف بَين اهل التَّفْسِير فَقَالَت طَائِفَة هَذَا القَوْل الَّذِي ذكرتموه وَقَالَت طَائِفَة

الصفحة 22