كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

{قَوْله} فإمَّا يَأْتينكُمْ مني هدى فَمن تبع هُدَايَ فَلَا خوف عَلَيْهِم ولاهم يَحْزَنُونَ فَكَأَنَّهُ قيل اهبطوا بِهَذَا الشَّرْط مأخوذا عَلَيْكُم هَذَا الْعَهْد وَهُوَ انه مهما جَاءَكُم مني هدى فَمن اتبعهُ مِنْكُم فَلَا خوف عَلَيْهِ وَلَا حزن يلْحقهُ فَفِي الاهباط الاول إيذان بالعقوبة ومقابلتهم على الجريمة وَفِي الاهباط الثَّانِي روح التسلية والاستبشاربحسن عَاقِبَة هَذَا الهبوط لمن تبع هُدَايَ ومصيره الى الامن وَالسُّرُور المضاد للخوف والحزن فكسرهم بالاهباط الاول وجبر من اتبع هداه بالاهباط الثَّانِي على عَادَته سُبْحَانَهُ ولطفه بعباده وَأهل طَاعَته كَمَا كسر آدم بالاخراج من الْجنَّة وجبره بالكلمات الَّتِي تلقاها مِنْهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وهداه وَمن تدبر حكمته سُبْحَانَهُ ولطفه وبره بعباده وَأهل طَاعَته فِي كَسره لَهُم ثمَّ جبره بعد الانكسار كَمَا يكسر العَبْد بالذنب ويذله بِهِ ثمَّ يجْبرهُ بتوبته عَلَيْهِ ومغفرته لَهُ وكما يكسرهُ بأنواع المصائب والمحن ثمَّ يجْبرهُ بالعافية وَالنعْمَة انْفَتح لَهُ بَاب عَظِيم من أَبْوَاب مَعْرفَته ومحبته وَعلم انه ارْحَمْ بعباده من الوالدة بِوَلَدِهَا وان ذَلِك الْكسر هُوَ نفس رَحمته بِهِ وبره ولطفه وَهُوَ أعلم بمصلحة عَبده مِنْهُ وَلَكِن العَبْد لضعف بصيرته ومعرفته بأسماء ربه وَصِفَاته لَا يكَاد يشْعر بذلك وَلَا ينَال رضَا المحبوب وقربه والابتهاج والفرح بالدنو مِنْهُ والزلفى لَدَيْهِ الاعلى جسر من الذلة والمسكنة وعَلى هَذَا قَامَ امْر الْمحبَّة فَلَا سَبِيل الى الْوُصُول الى المحبوب الا بذلك كَمَا قيل
تذلل لمن تهوى لتحظى بِقُرْبِهِ ... فكم عزة قد نالها العَبْد بالذل
إِذا كَانَ من تهوى عَزِيز اَوْ لم تكن ... ذليلا لَهُ فاقرا السَّلَام على الْوَصْل وَقَالَ آخر:
اخضع وذل لمن تحب فَلَيْسَ فِي ... شرع الْهوى انف يشال وَيقْعد وَقَالَ آخر:
وَمَا فرحت بالوصل نفس عزيزة ... وَمَا الْعِزّ إِلَّا ذلها وانكسارها قَالُوا وَإِذا علم ان إِبْلِيس اهبط من دَار الْعِزّ عقب امْتِنَاعه وإبائه من السُّجُود لادم ثَبت ان وسوسته لَهُ ولزوجه كَانَت فِي غير الْمحل الَّذِي اهبط مِنْهُ وَالله اعْلَم قَالُوا واما قَوْلكُم ان الْجنَّة إِنَّمَا جَاءَت معرفَة بِاللَّامِ وَهِي تَنْصَرِف الى الْجنَّة الَّتِي لَا يعْهَد بَنو آدم سواهَا فَلَا ريب انها جَاءَت كَذَلِك وَلَكِن الْعَهْد وَقع فِي خطاب الله تَعَالَى آدم لسكناها بقوله اسكن انت وزوجك الْجنَّة فَهِيَ كَانَت معهودة عِنْد آدم ثمَّ اُخْبُرْنَا سُبْحَانَهُ عنهامعرفا لَهَا بلام التَّعْرِيف فَانْصَرف الْعرف بهَا الى تِلْكَ الْجنَّة الْمَعْهُودَة فِي الذِّهْن وَهِي الَّتِي سكنها آدم ثمَّ اخْرُج مِنْهَا فَمن ايْنَ فِي هَذَا مَا يدل على محلهَا وموضعها بِنَفْي اَوْ إِثْبَات وَأما مَجِيء جنَّة الْخلد معرفَة بِاللَّامِ فلانها الْجنَّة

الصفحة 24