كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

قَالَ الاخرون بل الْجنَّة الَّتِي اسكنها آدم عِنْد سلف الامة وأئمتها وَأهل السّنة وَالْجَمَاعَة هِيَ جنَّة الْخلد وَمن قَالَ انها كَانَت جنَّة فِي الارض بِأَرْض الْهِنْد أَو بِأَرْض جدة اَوْ غير ذَلِك فَهُوَ من المتفلسفة والملحدين والمعتزلة اَوْ من اخوانهم الْمُتَكَلِّمين المبتدعين فَإِن هَذَا يَقُوله من يَقُوله من المتفسلفة والمعتزلة وَالْكتاب يرد هَذَا القَوْل وَسلف الامة وأئمتها متفقون على بطلَان هَذَا القَوْل قَالَ تَعَالَى وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وَكَانَ من الْكَافرين وَقُلْنَا يَا آدم اسكن انت وزوجك الْجنَّة وكلا مِنْهَا رغدا حَيْثُ شئتما وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين فأزلهما الشَّيْطَان عَنْهَا فاخرجهما مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو وَلكم فِي الارض مُسْتَقر ومتاع الى حِين فقد أخبر سُبْحَانَهُ أَنه أَمرهم بالهبوط وان بَعضهم لبَعض عَدو ثمَّ قَالَ وَلكم فِي الارض مُسْتَقر ومتاع الى حِين وَهَذَا بَين انهم لم يَكُونُوا فِي الارض وَإِنَّمَا اهبطوا الى الارض فَإِنَّهُم لَو كَانُوا فِي الارض وانتقلوا مِنْهَا الى ارْض اخرى كَمَا انْتقل قوم مُوسَى من ارْض الى ارْض كَانَ مستقرهم ومتاعهم الى حِين فِي الارض قبل الهبوط كَمَا هُوَ بعده وَهَذَا بَاطِل قَالُوا وَقد قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة الاعراف لما قَالَ إِبْلِيس أَنا خير مِنْهُ خلقتني من نَار وخلقته من طين قَالَ فاهبط مِنْهَا فَمَا يكون لَك ان تتكبر فِيهَا فَاخْرُج انك من الصاغرين يبين اخْتِصَاص الْجنَّة الَّتِي فِي السَّمَاء بِهَذَا الحكم بِخِلَاف جنَّة الارض فَإِن ابليس كَانَ غير مَمْنُوع من التكبر فِيهَا وَالضَّمِير فِي قَوْله مِنْهَا عَائِد الى مَعْلُوم وان كَانَ غير مَذْكُور فِي اللَّفْظ لَان الْعلم بِهِ أغْنى عَن ذكره قَالُوا وَهَذَا بِخِلَاف قَوْله اهبطوا مصرا فَإِن لكم مَا سَأَلْتُم فَإِنَّهُ لم يذكر هُنَا مَا اهبطوا مِنْهُ وَإِنَّمَا ذكر مَا اهبطوا اليه بِخِلَاف اهباط ابليس فَإِنَّهُ ذكر مبدأ هُبُوطه وَهُوَ الْجنَّة والهبوط يكون من علوالى سفل وَبَنُو اسرائيل كَانُوا بجبال السراة المشرفة على مصر الَّذِي يهبطون اليه وَمن هَبَط من جبل الى وَاد قيل لَهُ اهبط قَالُوا وايضا فبنو اسرائيل كَانُوا يَسِيرُونَ ويرحلون وَالَّذِي يسير ويرحل إِذا جَاءَ بَلْدَة يُقَال نزل فِيهَا لَان من عَادَته ان يركب فِي مسيره فَإِذا وصل نزل عَن دوابه وَيُقَال نزل الْعَدو بِأَرْض كَذَا وَنزل القفل وَنَحْوه وَلَفظ النُّزُول كَلَفْظِ الهبوط فَلَا يسْتَعْمل نزل وَهَبَطَ الا إِذا كَانَ من علو الى سفل وَقَالَ تَعَالَى عقب قَوْله اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو وَلكم فِي الارض مُسْتَقر ومتاع الى حِين قَالَ فِيهَا تحيون وفيهَا تموتون وَمِنْهَا تخرجُونَ فَهَذَا دَلِيل على انهم لم يَكُونُوا قبل ذَلِك فِي مَكَان فِيهِ يحيون وَفِيه يموتون وَمِنْه يخرجُون وَالْقُرْآن صَرِيح فِي انهم انما صَارُوا اليه بعدالاهباط قَالُوا وَلَو لم يكن فِي هَذِه الا قصَّة آدم ومُوسَى لكَانَتْ كَافِيَة فَإِن مُوسَى إِنَّمَا لَام آدم عَلَيْهِ السَّلَام لما حصل لَهُ ولذريته من الْخُرُوج من الْجنَّة من النكد وَالْمَشَقَّة فَلَو كَانَت بستانا فِي الارض لَكَانَ غَيره من بساتين الارض يعوض

الصفحة 29