كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

فَلم يفتح لَاحَدَّ الا من طَرِيقه فشرح لَهُ صَدره وَرفع لَهُ ذكره وَعلم بِهِ من الْجَهَالَة وبصر بِهِ من الْعَمى وارشد بِهِ من الغي وَفتح بِهِ اعينا عميا وآذانا صمًّا وَقُلُوبًا غلفًا فَلم يزل قَائِما بِأَمْر الله لَا يردهُ عَنهُ راد دَاعيا الى الله لَا يصده عَنهُ صَاد الى ان اشرقت برسالته الارض بعد ظلماتها وتالفت الْقُلُوب بعد شتاتها وسارت دَعوته سير الشَّمْس فِي الاقطار وَبلغ دينه مَا بلغ اللَّيْل وَالنَّهَار فَلَمَّا أكمل الله بِهِ الدّين وَأتم بِهِ النِّعْمَة على عباده الْمُؤمنِينَ اسْتَأْثر بِهِ وَنَقله الى الرفيق الاعلى من كرامته وَالْمحل الارفع الاسنى من أَعلَى جناته فَفَارَقَ الامة وَقد تَركهَا على المحجة الْبَيْضَاء الَّتِي لَا يزِيغ عَنْهَا الا من كَانَ من الهالكين فصلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الطيبين الطاهرين صَلَاة دائمة بدوام السَّمَوَات والارضين مُقِيمَة عَلَيْهِم أبدا لَا تروم انتقالا عَنْهُم وَلَا تحويلا
أما بعد فَإِن الله سُبْحَانَهُ لما اهبط آدم أَبَا الْبشر من الْجنَّة لما لَهُ فِي ذَلِك من الحكم الَّتِي تعجز الْعُقُول عَن مَعْرفَتهَا والالسن عَن صفتهَا فَكَانَ إهباطه مِنْهَا عين كَمَاله ليعود اليها على احسن احواله فَأَرَادَ سُبْحَانَهُ ان يذيقه وَولده من نصب الدُّنْيَا وغمومها وهمومها وأوصا بهَا مَا يعظم بِهِ عِنْدهم مِقْدَار دُخُولهمْ اليها فِي الدَّار الاخرة فَإِن الضِّدّ يظْهر حسنه الضِّدّ وَلَو تربوا فِي دَار النَّعيم لم يعرفوا قدرهَا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ اراد أَمرهم ونهيهم وابتلاءهم واختبارهم وَلَيْسَت الْجنَّة دَار تَكْلِيف فاهبطهم الى الارض وعرضهم بذلك لافضل الثَّوَاب الَّذِي لم يكن لينال بِدُونِ الامر وَالنَّهْي وايضا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَرَادَ ان يتَّخذ مِنْهُم انبياء ورسلا وأولياء وشهداء يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ فخلى بَينهم وَبَين اعدائه وامتحنهم بهم فَلَمَّا آثروه وبذلوا نُفُوسهم واموالهم فِي مرضاته ومحابه نالوا من محبته روضوانه والقرب مِنْهُ مَا لم يكن لينال بِدُونِ ذَلِك اصلا فدرجة الرسَالَة والنبوة وَالشَّهَادَة وَالْحب فِيهِ والبغض فِيهِ وموالاة اوليائه ومعاداة اعدائه عِنْده من افضل الدَّرَجَات وَلم يكن ينَال هَذَا الا على الْوَجْه الَّذِي قدره وقضاه من إهباطه إِلَى الارض وَجعل معيشته ومعيشة اولاده فِيهَا وايضا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الاسماء الْحسنى فَمن اسمائه الغفور الرَّحِيم الْعَفو الْحَلِيم الْخَافِض الرافع الْمعز المذل المحيي المميت الْوَارِث الصبور وَلَا بُد من ظُهُور آثَار هَذِه الاسماء فاقتضت حكمته سُبْحَانَهُ ان ينزل آدم وَذريته دَارا يظْهر عَلَيْهِم فِيهَا اثر اسمائه النى فَيغْفر فِيهَا لمن يَشَاء وَيرْحَم من يَشَاء ويخفض من يَشَاء وَيرْفَع من يَشَاء ويعز من يَشَاء ويذل من يَشَاء وينتقم مِمَّن يَشَاء وَيُعْطى وَيمْنَع ويبسط الى غير ذَلِك من ظُهُور اثر اسمائه وَصِفَاته وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ الْملك الْحق الْمُبين وَالْملك هُوَ الَّذِي يَأْمر وَينْهى ويثيب ويعاقب ويهين وَيكرم ويعز ويذل فَاقْتضى ملكه سُبْحَانَهُ ان انْزِلْ آدم وَذريته دَارا تجرى عَلَيْهِم فِيهَا احكام الْملك ثمَّ ينقلهم الى

الصفحة 3