كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

دَار يتم عَلَيْهِم فِيهَا ذَلِك وايضا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أنزلهم الى دَار يكون إِيمَانهم فِيهَا بِالْغَيْبِ والايمان بِالْغَيْبِ هُوَ الايمان النافع وَأما الايمان بِالشَّهَادَةِ فَكل اُحْدُ يُؤمن يَوْم الْقِيَامَة يَوْم لَا ينفع نفسا إِلَّا ايمانها فِي الدُّنْيَا فَلَو خلقُوا فِي دَار النَّعيم لم ينالوا دَرَجَة الايمان بِالْغَيْبِ واللذة والكرامة الْحَاصِلَة بذلك لَا تحصل بِدُونِهِ بل كَانَ الْحَاصِل لَهُم فِي دَار النَّعيم لَذَّة وكرامة غير هَذِه وايضا فَإِن الله سُبْحَانَهُ خلق آدم من قَبْضَة قبضهَا من جَمِيع الارض والارض فِيهَا الطّيب والخبيث والسهل والحزن والكريم واللئيم فَعلم سُبْحَانَهُ ان فِي ظَهره من لَا يصلح لمساكنته فِي دَاره فأنزله الى دَار استخرج فِيهَا الطّيب والخبيث من صلبه ثمَّ ميزهم سُبْحَانَهُ بدارين فَجعل الطيبين اهل جواره ومساكنته فِي دَاره وَجعل الْخَبيث اهل دَار الشَّقَاء دَار الخبثاء قَالَ الله تَعَالَى {ليميز الله الْخَبيث من الطّيب وَيجْعَل الْخَبيث بعضه على بعض فيركمه جَمِيعًا فَيَجْعَلهُ فِي جَهَنَّم أُولَئِكَ هم الخاسرون} فَلَمَّا علم سُبْحَانَهُ ان فِي ذُريَّته من لَيْسَ بِأَهْل لمجاورته انزلهم دَارا استخرج مِنْهَا اولئك والحقهم بِالدَّار الَّتِي هم لَهَا اهل حِكْمَة بَالِغَة ومشيئة نَافِذَة ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم وايضا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لما قَالَ للْمَلَائكَة {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك} اجابهم بقوله {إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} ثمَّ اظهر سُبْحَانَهُ علمه لِعِبَادِهِ ولملائكته بِمَا جعله فِي الارض من خَواص خلقه وَرُسُله وأنبيائه وأوليائه وَمن يتَقرَّب اليه ويبذل نَفسه فِي محبته ومرضاته مَعَ مجاهدة شَهْوَته وهواه فَيتْرك محبوباته تقربا الي وَيتْرك شهواته ابْتِغَاء مرضاتي ويبذل دَمه وَنَفسه فِي محبتي وأخصه بِعلم لَا تعلمونه يسبح بحمدي آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار ويعبدني مَعَ معارضات الْهوى والشهوة وَالنَّفس والعدو إِذْ تعبدوني انتم من غير معَارض يعارضكم وَلَا شَهْوَة تعتريكم وَلَا عَدو أسلطه عَلَيْكُم بل عبادتكم لي بِمَنْزِلَة النَّفس لاحدهم وَأَيْضًا فَإِنِّي اريد ان اظهر مَا خفى عَلَيْكُم من شَأْن عدوي ومحاربته لي وتكبره عَن أَمْرِي وسعيه فِي خلاف مرضاتي وَهَذَا وَهَذَا كَانَا كامنين مستترين فِي ابي الْبشر وَأبي الْجِنّ فأنزلهم دَارا اظهر فِيهَا مَا كَانَ الله سُبْحَانَهُ مُنْفَردا بِعِلْمِهِ لَا يُعلمهُ سواهُ وَظَهَرت حكمته وَتمّ امْرَهْ وبدا للْمَلَائكَة من علمه مَا لم يَكُونُوا يعلمُونَ وايضا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لما كَانَ يحب الصابرين وَيُحب الْمُحْسِنِينَ وَيُحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا وَيُحب التوابين وَيُحب المتطهرين وَيُحب الشَّاكِرِينَ وَكَانَت محبته اعلى انواع الكرامات اقْتَضَت حكمته ان أسكن آدم وبنيه دَارا يأْتونَ فِيهَا بِهَذِهِ الصِّفَات الَّتِي ينالون بهَا أَعلَى الكرامات من محبته فَكَانَ إنزالهم الى الارض من اعظم النعم عَلَيْهِم {وَالله يخْتَص برحمته من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم} وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَرَادَ ان يتَّخذ من آدم ذُرِّيَّة يواليهم ويودهم ويحبهم وَيُحِبُّونَهُ فمحبتهم لَهُ هِيَ غَايَة كمالهم وَنِهَايَة شرة

الصفحة 4