كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

مَالا تعلمُونَ يَعْنِي مَا عنْدكُمْ من حجَّة بِمَا قُلْتُمْ ان هُوَ الا قَول على الله بِلَا علم وَقَالَ تَعَالَى {إِن هِيَ إِلَّا أَسمَاء سميتموها أَنْتُم وآباؤكم مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان} يَعْنِي مَا أنزل بهَا حجَّة وَلَا برهانا بل هِيَ من تِلْقَاء انفسكم وآبائكم وَقَالَ تَعَالَى {أم لكم سُلْطَان مُبين فَأتوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنْتُم صَادِقين} يَعْنِي حجَّة وَاضِحَة فائتوا بهَا إِن كُنْتُم صَادِقين فِي دعواكم إِلَّا موضعا وَاحِدًا اخْتلف فِيهِ وَهُوَ قَوْله {مَا أغْنى عني ماليه هلك عني سلطانيه} فَقيل المُرَاد بِهِ الْقُدْرَة وَالْملك أَي ذهب عني مَالِي وملكي فَلَا مَال لي وَلَا سُلْطَان وَقيل هُوَ على بَابه أَي انْقَطَعت حجتي وَبَطلَت فَلَا حجَّة لي وَالْمَقْصُود ان الله سُبْحَانَهُ سمى علم الْحجَّة سُلْطَانا لانها توجب تسلط صَاحبهَا واقتداره فَلهُ بهَا سُلْطَان على الْجَاهِلين بل سُلْطَان الْعلم اعظم من سُلْطَان الْيَد وَلِهَذَا ينقاد النَّاس للحجة مَالا ينقادون لليد فان الْحجَّة تنقاد لَهَا الْقُلُوب واما الْيَد فَإِنَّمَا ينقاد لَهَا الْبدن فالحجة تأسر الْقلب وتقوده وتذل الْمُخَالف وان اظهر العناد والمكابرة فقلبه خاضع لَهَا ذليل مقهور تَحت سلطانها بل سُلْطَان الجاه ان لم يكن مَعَه علم يساس بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَة سُلْطَان السبَاع والاسود وَنَحْوهَا قدرَة بِلَا علم وَلَا رَحْمَة بِخِلَاف سُلْطَان الْحجَّة فَإِنَّهُ قدرَة بِعلم وَرَحْمَة وَحِكْمَة وَمن لم يكن لَهُ اقتدار فِي علمه فَهُوَ اما لضعف حجَّته وسلطانه واما لقهر سُلْطَان الْيَد وَالسيف لَهُ والا فالحجة ناصرة نَفسهَا ظَاهِرَة على الْبَاطِل قاهرة لَهُ الْوَجْه الاربعون ان الله تَعَالَى وصف اهل النَّار بِالْجَهْلِ وَاخْبَرْ انه سد عيهم طرق الْعلم فَقَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَنْهُم {وَقَالُوا لَو كُنَّا نسْمع أَو نعقل مَا كُنَّا فِي أَصْحَاب السعير فَاعْتَرفُوا بذنبهم فسحقا لأَصْحَاب السعير} فَأخْبرُوا انهم كَانُوا لَا يسمعُونَ وَلَا يعْقلُونَ والسمع وَالْعقل هما اصل الْعلم وَبِهِمَا ينَال وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد ذرأنا لِجَهَنَّم كثيرا من الْجِنّ وَالْإِنْس لَهُم قُلُوب لَا يفقهُونَ بهَا وَلَهُم أعين لَا يبصرون بهَا وَلَهُم آذان لَا يسمعُونَ بهَا أُولَئِكَ كالأنعام بل هم أضلّ أُولَئِكَ هم الغافلون} فاخبر سُبْحَانَهُ انهم لم يحصل لَهُم علم من جِهَة من جِهَات الْعلم الثَّلَاث وَهِي الْعقل والسمع وَالْبَصَر كَمَا قَالَ فِي مَوضِع آخر {صم بكم عمي فهم لَا يعْقلُونَ} وَقَالَ تَعَالَى افلم يَسِيرُوا فِي الارض فَتكون لَهُم قُلُوب يعْقلُونَ بهَا اَوْ آذان يسمعُونَ بهَا فانها لاتعمى الابصار وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور وَقَالَ تَعَالَى وجعلنالهم سمعا وابصارا وافئدة فَمَا اغنى عَنْهُم سمعهم وَلَا ابصارهم وَلَا افئدتهم من شَيْء إِذْ كَانُوا يجحدون بآيَات الله وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤن فقد وصف اهل الشَّقَاء كَمَا ترى بِعَدَمِ الْعلم وشبههم بالانعام تَارَة وَتارَة بالحمار الَّذِي يحمل الاسفار وَتارَة جعلهم اضل من الانعام وَتارَة جعلهم شَرّ الدَّوَابّ عِنْده وَتارَة جعلهم امواتا غير احياء وَتارَة اخبر انهم فِي ظلمات الْجَهْل والضلال وَتارَة اخبر ان على قُلُوبهم اكنة وَفِي آذانهم وقرا وعَلى ابصارهم غشاوة وَهَذَا كُله يدل على قبح الْجَهْل وذم اهله وبغضه لَهُم كَمَا انه يحب

الصفحة 59