كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

اهل الْعلم ويمدحهم ويثنى عَلَيْهِم كَمَا تقدم وَالله الْمُسْتَعَان الْوَجْه الْحَادِي والاربعون مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث مُعَاوِيَة رضى الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول من يرد الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين وَهَذَا يدل على ان من لم يفقهه فِي دينه لم يرد بِهِ خيرا كَمَا ان من اراد بِهِ خير افقهه فِي دينه وَمن فقهه فِي دينه فقد اراد بِهِ خيرا إِذا اريد بالفقه الْعلم المستلزم للْعَمَل واما ان اريد بِهِ مُجَرّد الْعلم فَلَا يدل على ان من فقه فِي الدّين فقد اريد بِهِ خيرا فَإِن الْفِقْه حِينَئِذٍ يكون شرطا لارادة الْخَيْر وعَلى الاول يكون مُوجبا وَالله اعْلَم الْوَجْه الثَّانِي والاربعون مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ايضا من حَدِيث ابي مُوسَى رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله ان مثل مَا بَعَثَنِي الله بِهِ من الْهدى وَالْعلم كَمثل غيث اصاب ارضا فَكَانَت مِنْهَا طَائِفَة طيبَة قبلت المَاء فانبتت الْكلأ والعشب الْكثير وَكَانَ مِنْهَا اجادب امسكت المَاء فنفع الله بهَا النَّاس فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسقوا وزرعوا واصاب طَائِفَة مِنْهَا اخرى إِنَّمَا هِيَ قيعان لاتمسك مَاء وَلَا تنْبت كلأ فَذَلِك مثل من فقه فِي دين الله ونفعه مَا بَعَثَنِي الله بِهِ فَعلم وَعلم وَمثل من لم يرفع بذلك راسا وَلم يقبل هدى الله الَّذِي ارسلت بِهِ شبه الْعلم وَالْهدى الَّذِي جَاءَ بِهِ بالغيث لما يحصل بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا من الْحَيَاة والنافع والاغذية والادوية وَسَائِر مصَالح الْعباد فَإِنَّهَا بِالْعلمِ والمطر وَشبه الْقُلُوب بالاراضي الَّتِي قع عَلَيْهَا الْمَطَر لانها الْمحل الَّذِي يمسك المَاء فينبت سَائِر انواع النَّبَات النافع كَمَا ان الْقُلُوب تعي الْعلم فيثمر فِيهَا ويزكو وَتظهر بركته وثمرته ثمَّ قسم النَّاس الى ثَلَاثَة اقسام بِحَسب قبولهم واستعدادهم لحفظه وَفهم مَعَانِيه واستنباط احكامه واستخراج حكمه وفوائده احدها اهل الْحِفْظ والفهم الَّذين حفظوه وعقلوه وفهموا مَعَانِيه واستنبطوا وُجُوه الاحكام وَالْحكم والفوائد مِنْهُ فَهَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَة الارض الَّتِي قبلت المَاء وَهَذَا بِمَنْزِلَة الْحِفْظ فأنبتت الْكلأ والعشب الْكثير وَهَذَا هُوَ الْفَهم فِيهِ والمعرفة والاستنباط فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة انبات الْكلأ والعشب بِالْمَاءِ فَهَذَا مثل الْحفاظ الْفُقَهَاء اهل الرِّوَايَة والدراية الْقسم الثَّانِي اهل الْحِفْظ الَّذين رزقوا حفظه وَنَقله وَضَبطه وَلم يرزقوا تفقها فِي مَعَانِيه وَلَا استنباطا وَلَا استخراجا لوجوه الحكم والفوائد مِنْهُ فهم بِمَنْزِلَة من يقرا الْقُرْآن ويحفظه ويراعي حُرُوفه واعرابه وَلم يرْزق فِيهِ فهما خَاصّا عَن الله كَمَا قَالَ على ابْن ابي طَالب رضى الله عَنهُ إِلَّا فهما يؤتيه الله عبدا فِي كِتَابه وَالنَّاس متفاوتون فِي الْفَهم عَن الله وَرَسُوله اعظم تفَاوت فَرب شخص يفهم من النَّص حكما اَوْ حكمين وَيفهم مِنْهُ الآخر مائَة اَوْ مِائَتَيْنِ فَهَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَة الارض الَّتِي امسكت المَاء للنَّاس فانتفعوا بِهِ هَذَا يشرب مِنْهُ وَهَذَا يسقى وَهَذَا يزرع فَهَؤُلَاءِ القسمان هم السُّعَدَاء والاولون ارْفَعْ دَرَجَة واعلى قدرا وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم الْقسم الثَّالِث الَّذين لَا نصيب لَهُم مِنْهُ لَا حفظا وَلَا فهما وَلَا رِوَايَة وَلَا دراية بل هم بِمَنْزِلَة

الصفحة 60