كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

الارض الَّتِي هِيَ قيعان لَا تنْبت وَلَا تمسك المَاء وَهَؤُلَاء هم الاشقياء والقسمان الاولان اشْتَركَا فِي الْعلم والتعليم كل بِحَسب مَا قبله وَوصل اليه فَهَذَا يعلم الفاظ الْقُرْآن ويحفظها وَهَذَا يعلم مَعَانِيه واحكامه وعلومه وَالْقسم الثَّالِث لَا علم وَلَا تَعْلِيم فهم الَّذين لم يرفعوا بهدى الله راسا وَلم يقبلوه وَهَؤُلَاء شَرّ من الانعام وهم وقود النَّار فقد اشْتَمَل هَذَا الحَدِيث الشريف الْعَظِيم على التَّنْبِيه على شرف الْعلم والتعليم وَعظم موقعه وشقاء من لَيْسَ من اهله وَذكر اقسام بني آدم بِالنِّسْبَةِ فِيهِ إِلَى شقيهم وسعيدهم وتقسم سعيدهم الى سَابق مقرب وَصَاحب يَمِين مقتصد وَفِيه دلَالَة على ان حَاجَة الْعباد الى الْعلم كحاجتهم الى الْمَطَر بل اعظم وانهم إِذا فقدوا الْعلم فهم بِمَنْزِلَة الارض الَّتِي فقدت الْغَيْث قَالَ الامام احْمَد النَّاس محتاجون الى الْعلم اكثر من حَاجتهم إِلَى الطَّعَام وَالشرَاب لَان الطَّعَام وَالشرَاب يحْتَاج اليه فِي الْيَوْم مرّة اَوْ مرَّتَيْنِ وَالْعلم يحْتَاج اليه بِعَدَد الانفاس وَقد قَالَ تَعَالَى انْزِلْ من السَّمَاء مَاء فسالت اودية بِقَدرِهَا فَاحْتمل السَّيْل زبدا رابيا وَمِمَّا يوقدون عَلَيْهِ فِي النَّار ابْتِغَاء حلية اَوْ مَتَاع زبد مثله كَذَلِك يضْرب الله الْحق وَالْبَاطِل شبه سُبْحَانَهُ الْعلم الَّذِي أنزلهُ على رَسُوله بِالْمَاءِ الَّذِي انزله من السَّمَاء لما يحصل لكل وَاحِد مِنْهُمَا من الْحَيَاة ومصالح الْعباد فِي معاشهم ومعادهم ثمَّ شبه الْقُلُوب بالاودية فَقلب كَبِير يسع علما كثيرا كواد عَظِيم يسع مَاء كثيرا وقلب صَغِيرا إِنَّمَا يسع علما قَلِيلا كواد صَغِير إِنَّمَا يسع مَاء قَلِيلا فَقَالَ فسالت اودية بِقَدرِهَا فَاحْتمل السَّيْل زبدا رابيا هَذَا مثل ضَرْبَة الله تَعَالَى للْعلم حِين تخالط الْقُلُوب بشاشته فَإِنَّهُ يسْتَخْرج مِنْهَا زبد الشُّبُهَات البالطة فيطفو على وَجه الْقلب كَمَا يسْتَخْرج السَّيْل من الْوَادي زبدا يَعْلُو فقوق المَاء وَأخْبر سُبْحَانَهُ انه راب يطفو ويعلو على المَاء لايستقر فِي ارْض الْوَادي كَذَلِك الشُّبُهَات الْبَاطِلَة إِذا أخرجهَا الْعلم ربت فَوق الْقُلُوب وطفت فَلَا تَسْتَقِر فِيهِ بل تجفى وترمى فيستقر فِي الْقلب مَا ينفع صَاحبه وَالنَّاس من الْهدى وَدين الْحق كَمَا يسْتَقرّ فِي الْوَادي المَاء الصافي وَيذْهب الزّبد جفَاء وَمَا يعقل عَن الله امثاله إِلَّا الْعَالمُونَ ثمَّ ضرب سُبْحَانَهُ لذَلِك مثلا آخر فَقَالَ وَمِمَّا يوقدون عَلَيْهِ فِي النَّار ابْتِغَاء حلية اَوْ مَتَاع زبد مثله يَعْنِي أَن مِمَّا يُوقد عَلَيْهِ بَنو آدم من الذَّهَب وَالْفِضَّة والنحاس وَالْحَدِيد يخرج مِنْهُ خبثه وَهُوَ الزّبد الَّذِي تلقيه النَّار وتخرجه من ذَلِك الْجَوْهَر بِسَبَب مخالطتها فَإِنَّهُ يقذف ويلقى بِهِ ويستقر الْجَوْهَر الْخَالِص وَحده وَضرب سُبْحَانَهُ مثلا بِالْمَاءِ لما فِيهِ من الْحَيَاة والتبريد وَالْمَنْفَعَة ومثلا بالنَّار لما فِيهَا من الاضاءة والاشراف والاحراق فآيات الْقُرْآن تحيي الْقُلُوب كَمَا تحيا الارض بِالْمَاءِ وَتحرق خبثها وشبهاتها وشهواتها وسخائمها كَمَا تحرق النَّار مَا يلقى فِيهَا وتميز جيدها من زبدها كَمَا تميز النَّار الْخبث من الذَّهَب وَالْفِضَّة والنحاس وَنَحْوه مِنْهُ فَهَذَا بعض مَا فِي هَذَا الْمثل الْعَظِيم من العبر وَالْعلم قَالَ الله تَعَالَى وَتلك

الصفحة 61