كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

للْعَالم عَام فِي الْحَيَوَانَات ناطقها وبهيمها طيرها وَغَيره ويؤكد هَذَا قَوْله حَتَّى الْحيتَان فِي المَاء وَحَتَّى النملة فِي جحرها فَقيل سَبَب هَذَا الاسْتِغْفَار ان الْعَالم يعلم الْخلق مُرَاعَاة هَذِه الْحَيَوَانَات ويعرفهم مَا يحل مِنْهَا وَمَا يحرم ويعرفهم كَيْفيَّة تنَاولهَا واستخدامها وركوبها وَالِانْتِفَاع بهَا وَكَيْفِيَّة ذَبحهَا على احسن الْوُجُوه وارفقها بِالْحَيَوَانِ والعالم اشفق النَّاس على الْحَيَوَان واقومهم بِبَيَان مَا خلق لَهُ وَبِالْجُمْلَةِ فالرحمة والاحسان الَّتِي خلق بهما وَلَهُمَا الْحَيَوَان وَكتب لَهما حظهما مِنْهُ إِنَّمَا يعرف بِالْعلمِ فالعالم معرف لذَلِك فَاسْتحقَّ ان تستغفر لَهُ الْبَهَائِم وَالله أعلم وَقَوله وَفضل الْعَالم على العابد كفضل الْقَمَر على سَائِر الْكَوَاكِب تَشْبِيه مُطَابق لحَال الْقَمَر وَالْكَوَاكِب فان الْقَمَر يضيء الافاق ويمتد نوره فِي اقطار الْعَالم وَهَذِه حَال الْعَالم وَأما الْكَوْكَب فنوره لَا يُجَاوز نَفسه اَوْ مَا قرب مِنْهُ وَهَذِه حَال العابد الَّذِي يضيء نور عِبَادَته عَلَيْهِ دون غَيره وان جَاوز نور عِبَادَته غَيره فَإِنَّمَا يُجَاوِزهُ غير بعيد كَمَا يُجَاوز ضوء الْكَوْكَب لَهُ مُجَاوزَة يسيرَة وَمن هَذَا الاثر الْمَرْوِيّ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول الله للعابد ادخل الْجنَّة فَإِنَّمَا كَانَت منفعتك لنَفسك وَيُقَال للْعَالم اشفع تشفع فَإِنَّمَا كَانَت منفعتك للنَّاس وروى ابْن جريج عَن عطاءعن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يُؤْتى بالعابد والفقيه فَيُقَال للعابد ادخل الْجنَّة وَيُقَال للفقيه اشفع تشفع وَفِي التَّشْبِيه الْمَذْكُور لطيفه اخرى وَهُوَ ان الْجَهْل كالليل فِي ظلمته وجنسه وَالْعُلَمَاء والعباد بِمَنْزِلَة الْقَمَر وَالْكَوَاكِب الطالعة فِي تِلْكَ الظلمَة وَفضل نور الْعَالم فِيهَا على نور العابد كفضل نور الْقَمَر على الْكَوَاكِب وايضا فالدين قوامه وزينته واضاءته بعلمائه وعباده فَإِذا ذهب علماؤه وعباده ذهب الدّين كَمَا ان السَّمَاء اضاءتها وَزينتهَا بقمرها وكواكبها فَإِذا خسف قمرها وانتشرت كواكبها اتاها ماتوعد وَفضل عُلَمَاء الدّين على الْعباد كفضل مَا بَين الْقَمَر وَالْكَوَاكِب فَإِن قيل كَيفَ وَقع تَشْبِيه الْعَالم بالقمر دون الشَّمْس وَهِي اعظم نورا قيل فِيهِ فَائِدَتَانِ احداهما ان نور الْقَمَر لما كَانَ مستفادا من غَيره كَانَ تَشْبِيه الْعَالم الَّذِي نوره مُسْتَفَاد من شمس الرسَالَة بالقمر اولى من تشبيهه بالشمس الثَّانِيَة ان الشَّمْس لَا يخْتَلف حَالهَا فِي نورها وَلَا يلْحقهَا محاق وَلَا تفَاوت فِي الاضاءة واما الْقَمَر فَإِنَّهُ يقل نوره وَيكثر ويمتليء وَينْقص كَمَا ان الْعلمَاء فِي الْعلم على مَرَاتِبهمْ من كثرته وقلته فيفضل كل مِنْهُم فِي علمه بِحَسب كثرته وقلته وظهوره وخفائه كَمَا يكون الْقَمَر كَذَلِك فعالم كالبدر لَيْلَة تمه وَآخر دونه بليلة وثانية وثالثة وَمَا بعْدهَا إِلَى آخر مراتبه وهم دَرَجَات عِنْد الله فَإِن قيل تَشْبِيه الْعلمَاء بالنجوم أَمر مَعْلُوم كَقَوْلِه اصحابي كَالنُّجُومِ وَلِهَذَا هِيَ فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا عبارَة عَن الْعلمَاء فَكيف وَقع تشبيههم هُنَا بالقمر قيل اما تَشْبِيه الْعلمَاء بالنجوم فَإِن النُّجُوم يهتدى بهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر وَكَذَلِكَ الْعلمَاء والنجوم زِينَة للسماء

الصفحة 65