كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

فَكَذَلِك الْعلمَاء زِينَة للآرض وَهِي رجوم للشياطين حائلة بَينهم وَبَين استراق السّمع لِئَلَّا يلبسوا بِمَا يسترقونه من الْوَحْي الْوَارِد الى الرُّسُل من الله على ايدي مَلَائكَته وَكَذَلِكَ الْعلمَاء رجوم لشياطين الانس وَالْجِنّ الَّذِي يُوحى بَعضهم الى بعض زخرف القَوْل غرُورًا فَالْعُلَمَاء رجوم لهَذَا الصِّنْف من الشَّيَاطِين ولولاهم لطمست معالم الدّين بتلبيس المضلين وَلَكِن الله سُبْحَانَهُ اقامهم حراسا وَحفظه لدينِهِ ورجوما لاعدائه واعداء رسله فَهَذَا وَجه تشبيههم بالنجوم وَأما تشبههم بالقمر فَذَلِك كَانَ فِي مقَام تَفْضِيلهمْ على اهل الْعِبَادَة الْمُجَرَّدَة وموازنة مَا بَينهمَا من الْفضل وَالْمعْنَى انهم يفضلون الْعباد الَّذين لَيْسُوا بعلماء كَمَا يفضل الْقَمَر سَائِر الْكَوَاكِب فَكل من التشبهين لَائِق بموضعه وَالْحَمْد لله وَقَوله ان الْعلمَاء وَرَثَة الانبياء هَذَا من اعظم المناقب لاهل الْعلم فَإِن الانبياء خير خلق الله فورثتهم خير الْخلق بعدهمْ وَلما كَانَ كل موروث ينْتَقل مِيرَاثه الى ورثته اذهم الَّذين يقومُونَ مقَامه من بعده وَلم يكن بعد الرُّسُل من يقوم مقامهم فِي تَبْلِيغ مَا ارسلوا بِهِ الا الْعلمَاء كَانُوا احق النَّاس بميراثهم وَفِي هَذَا تَنْبِيه على انهم اقْربْ النَّاس اليهم فَإِن الْمِيرَاث إِنَّا يكون لاقرب النَّاس الى الْمَوْرُوث وَهَذَا كَمَا انه ثَابت فِي مِيرَاث الدِّينَار وَالدِّرْهَم فَكَذَلِك هُوَ فِي مِيرَاث النُّبُوَّة وَالله يخْتَص برحمته من يَشَاء وَفِيه ايضا ارشاد وامر للْأمة بطاعهم واحترامهم وتعزيزهم وتوفيرهم وإجلالهم فَإِنَّهُم وَرَثَة من هَذِه بعض حُقُوقهم على الْأمة وخلفاؤهم فيهم وَفِيه تَنْبِيه على ان محبتهم من الدّين وبغضهم منَاف للدّين كَمَا هُوَ ثَابت لموروثهم وَكَذَلِكَ معاداتهم ومحاربتهم معاداة ومحاربة لله كَمَا هُوَ فِي موروثهم قَالَ على كرم الله وَجهه ورضى عَنهُ محبَّة الْعلمَاء دين يدان بِهِ وَقَالَ فِيمَا يرْوى عَن ربه عز وَجل من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وورثة الانبياء سَادَات اولياء لله عز وَجل وَفِيه تَنْبِيه للْعُلَمَاء على سلوك هدى الانبياء وطريقتهم فِي التَّبْلِيغ من الصَّبْر وَالِاحْتِمَال ومقابلة إساءة النَّاس اليهم بالاحسان والرفق بهم واستجلابهم الى الله باحسن الطّرق وبذل مَا يُمكن من النَّصِيحَة لَهُم فَإِنَّهُ بذلك يحصل لَهُ نصِيبهم من هَذَا الْمِيرَاث الْعَظِيم قدره الْجَلِيل خطره وَفِيه ايضا تَنْبِيه لاهل الْعلم على تربية الامة كَمَا يربى الْوَالِد وَلَده فيبربونهم بالتدريج والترقي من صغَار الْعلم إِلَى كباره وتحميلهم مِنْهُ مَا يُطِيقُونَ كَمَا يفعل الاب بولده الطِّفْل فِي ايصال الْغذَاء اليه فَإِن ارواح الْبشر بِالنِّسْبَةِ الى الانبياء وَالرسل كالاطفال بِالنِّسْبَةِ الى آبَائِهِم بل دون هَذِه النِّسْبَة بِكَثِير وَلِهَذَا كل روح لم تربها الرُّسُل لم تفلح وَلم تصلح لصالحه كَمَا قيل
وَمن لَا يربيه الرَّسُول ويسقه ... لبانا لَهُ قد در من ثدي قدسه فَذَاك لَقِيط مَاله نِسْبَة الولا ... وَلَا يتَعَدَّى طور ابناء جنسه
وَقَوله ان الانبياء لم يورثوا دِينَارا وَلَا درهما إِنَّمَا ورثوا الْعلم هَذَا من كَمَال الانبياء وَعظم

الصفحة 66