كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

نصحهمْ للأمم وَتَمام نعْمَة الله عَلَيْهِم وعَلى اممهم ان ازاح جَمِيع الْعِلَل وحسم جَمِيع الْموَاد الَّتِي توهم بعض النُّفُوس ان الانبياء من وجنس الْمُلُوك الَّذين يُرِيدُونَ الدُّنْيَا وملكها فحماهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من ذَلِك اتم الحماية ثمَّ لما كَانَ الْغَالِب على النَّاس ان احدهم يُرِيد الدُّنْيَا لوَلَده من بعده وَيسْعَى ويتعب وَيحرم نَفسه لوَلَده سد هَذِه الذريعة عَن انبيائه وَرُسُله وَقطع هَذَا الْوَهم الَّذِي عساه ان يخالط كثيرا من النُّفُوس الَّتِي تَقول فَلَعَلَّهُ ان لم يطْلب الدُّنْيَا لنَفسِهِ فَهُوَ يحصلها لوَلَده فَقَالَ نَحن معاشر الانبياء لَا نورث مَا تركنَا هُوَ صَدَقَة فَلم تورث الانبياء دِينَارا وَلَا درهما وَإِنَّمَا ورثوا الْعلم واما قَوْله تَعَالَى وَورث سُلَيْمَان دَاوُد فَهُوَ مِيرَاث الْعلم والنبوة لَا غير وَهَذَا بِاتِّفَاق اهل الْعلم من الْمُفَسّرين وَغَيرهم وَهَذَا لَان دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَهُ اولاد كَثِيرَة سوى سُلَيْمَان فَلَو كَانَ الْمَوْرُوث هُوَ المَال لم يكن سُلَيْمَان مُخْتَصًّا بِهِ وايضا فَإِن كَلَام الله يصان عَن الاخبار بِمثل هَذَا فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة ان يُقَال مَاتَ فلَان وَورثه ابْنه وَمن الْمَعْلُوم ان كل اُحْدُ يَرِثهُ ابْنه وَلَيْسَ فِي الاخبار بِمثل هَذَا فَائِدَة وايضا فَإِن مَا قبل الاية وَمَا بعْدهَا يبين ان المُرَاد بِهَذِهِ الوراثة وراثة الْعلم والنبوة لَا وراثة المَال قَالَ تَعَالَى وَلَقَد آتَيْنَا دَاوُود وَسليمَان علما وَقَالا الْحَمد لله الَّذِي فضلنَا على كثير من عباده الْمُؤمنِينَ وَورث سُلَيْمَان دَاوُود وَإِنَّمَا سيق هَذَا لبَيَان فضل سُلَيْمَان وَمَا خصّه الله بِهِ من كرامته وميراثه مَا كَانَ لابيه من اعلى الْمَوَاهِب وَهُوَ الْعلم والنبوة ان هَذَا لَهو الْفضل الْمُبين وَكَذَلِكَ قَول زَكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي وَكَانَت امْرَأَتي عاقرا فَهَب لي من لَدُنْك وليا يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب واجعله رب رَضِيا فَهَذَا مِيرَاث الْعلم والنبوة والدعوة الى الله وَإِلَّا فَلَا يظنّ بني كريم انه يخَاف عصبته ان يرثوه مَاله فَيسْأَل الله الْعَظِيم ولدا يمنعهُم مِيرَاثه وَيكون احق بِهِ مِنْهُم وَقد نزه الله انبياءه وَرُسُله عَن هَذَا وَأَمْثَاله فبعدا لمن حرف كتاب الله ورد على رَسُوله كَلَامه وَنسب الانبياء الى مَا هم بُرَآء منزهون عَنهُ وَالْحَمْد لله على توفيقه وهدايته وَيذكر عَن ابي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ انه مر بِالسوقِ فَوَجَدَهُمْ فِي تجاراتهم وبيوعاتهم فَقَالَ انتم هَهُنَا فِيمَا انتم فِيهِ وميراث رَسُول الله يقسم فِي مَسْجده فَقَامُوا سرَاعًا الى الْمَسْجِد فَلم يَجدوا فِيهِ الا الْقُرْآن وَالذكر ومجالس الْعلم فَقَالُوا ايْنَ مَا قلت يَا أَبَا هُرَيْرَة فَقَالَ هَذَا مِيرَاث مُحَمَّد يقسم بَين ورثته وَلَيْسَ بمواريثكم ودنياكم اَوْ كَمَا قَالَ وَقَوله فَمن اخذه اخذ بحظ وافر اعظم الحظوظ واجداها مانفع العَبْد ودام نَفعه لَهُ وَلَيْسَ هَذَا الا حَظه من الْعلم وَالدّين فَهُوَ الْحَظ الدَّائِم النافع الَّذِي إِذا انْقَطَعت الحظوظ لاربابها فَهُوَ مَوْصُول لَهُ ابد الابدين وَذَلِكَ لانه مَوْصُول بالحي الَّذِي لَا يَمُوت فَلذَلِك لاينقطع وَلَا يفوت وَسَائِر الحظوظ تعدم وتتلاشى بتلاشي متعلقاتها كَمَا قَالَ تَعَالَى وَقدمنَا الى مَا عمِلُوا من عمل فجعلناه هباءمنثورا فَإِن الْغَايَة لما كَانَت مُنْقَطِعَة زائلة تبعتها اعمالهم فَانْقَطَعت

الصفحة 67