كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

وَمَا كَانَ اكثرهم مُؤمنين وَإِن رَبك لَهو الْعَزِيز الرَّحِيم فَأخْبر سُبْحَانَهُ ان ذَلِك صادر عَن عزته المتضمنة كَمَال قدرته وحكمته المتضمنة كَمَال علمه وَوَضعه الاشياء موَاضعهَا اللائقة بهَا مَا وضع نعْمَته ونجاته لرسله ولاتباعهم ونقمته وإهلاكه لاعدائهم الا فِي محلهَا اللَّائِق بهَا لكَمَال عزته وحكمته وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ عقيب إخْبَاره عَن قَضَائِهِ بَين اهل السَّعَادَة والشقاوة ومصير كل مِنْهُم الى دِيَارهمْ الَّتِي لَا يَلِيق بهم غَيرهَا وَلَا تقتضى حكمته سواهَا وَقضى بَينهم بِالْحَقِّ وَقيل الْحَمد لله رب الْعَالمين وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ اقْتَضَت حكمته وحمده ان فاوت بَين عباده اعظم تفَاوت وابينه ليشكره مِنْهُم من ظَهرت عَلَيْهِ نعْمَته وفضله وَيعرف انه قد حبى بالانعام وَخص دون غَيره بالاكرام وَلَو تساووا جَمِيعهم فِي النِّعْمَة والعافية لم يعرف صَاحب النِّعْمَة قدرهَا وَلم يبْذل شكرها إِذْ لَا يرى احدا إِلَّا فِي مثل حَاله وَمن أقوى أَسبَاب الشُّكْر وَأَعْظَمهَا استخرجا لَهُ من العَبْد ان يرى غَيره فِي ضد حَاله الَّذِي هُوَ عَلَيْهَا من لاكمال والفلاح وَفِي الاثر الْمَشْهُور ان الله سُبْحَانَهُ لما أرى آدم ذُريَّته وتفاوت مَرَاتِبهمْ قَالَ يَا رب هلا سويت بَين عِبَادك قَالَ إِنِّي احب ان اشكر فاقتضت محبته سُبْحَانَهُ لَان يشْكر خلق الاسباب الَّتِي يكن شكر الشَّاكِرِينَ عِنْدهَا اعظم وأكمل وَهَذَا هُوَ عين الْحِكْمَة الصادرة عَن صفة الْحَمد وايضا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا شَيْء احب اليه من العَبْد من تذلله بَين يَدَيْهِ وخضوعه وافتقاره وإنكساره وتضرعه اليه وَمَعْلُوم ان هَذَا الْمَطْلُوب من العَبْد إِنَّمَا يتم بأسبابه الَّتِي تتَوَقَّف عَلَيْهَا وَحُصُول هَذِه الاسباب فِي دَار النَّعيم الْمُطلق والعافية الْكَامِلَة يمْتَنع إِذْ هُوَ مُسْتَلْزم للْجمع بَين الضدين وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الْخلق والامر والامر هُوَ شَرعه وَأمره وَدينه الَّذِي بعث بِهِ رسله وَانْزِلْ بِهِ كتبه وَلَيْسَت الْجنَّة دَار تَكْلِيف تجرى عَلَيْهِم فِيهَا أَحْكَام التَّكْلِيف ولوازمها وَإِنَّمَا هِيَ دَار نعيم وَلَذَّة واقتضت حكمته سُبْحَانَهُ اسْتِخْرَاج آدم وَذريته الى دَار تجرى عَلَيْهِم فِيهَا احكام دينه وَأمره ليظْهر فيهم مُقْتَضى الامر ولوازمه فَإِن الله سُبْحَانَهُ كَمَا ان افعاله وخلقه من لَوَازِم كَمَال اسمائه الْحسنى وَصِفَاته العلى فَكَذَلِك امْرَهْ وشرعه وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَقد ارشد سُبْحَانَهُ الى هَذَا الْمَعْنى فِي غير مَوضِع من كِتَابه فَقَالَ تَعَالَى ايحسب الانسان ان يتْرك سدى أَي مهملا معطلا لَا يُؤمر وَلَا ينْهَى وَلَا يُثَاب وَلَا يُعَاقب وَهَذَا يدل على ان هَذَا منَاف لكَمَال حكمته وان ربوبيته وعزته وحكمته تأبى ذَلِك وَلِهَذَا اخْرُج الْكَلَام مخرج الانكار على من زعم ذَلِك وَهُوَ يدل على ان حسنه مُسْتَقر فِي الْفطر والعقول وقبح تَركه سدا معطلا ايضا مُسْتَقر فِي الْفطر فَكيف ينْسب الى الرب مَا قبحه مُسْتَقر فِي فطركم وعقولكم وَقَالَ تَعَالَى أفحسبتم انما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم الينا لَا ترجعون فتعالى الله الْملك الْحق لَا إِلَه الا هُوَ رب الْعَرْش الْكَرِيم نزه نَفسه سُبْحَانَهُ عَن هَذَا الحسبان الْبَاطِل المضاد لموجب اسمائه وَصِفَاته وانه لَا يَلِيق بجلاله نسبته اليه ونظائر هَذَا فِي الْقُرْآن كَثِيرَة وايضا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يحب من عباده

الصفحة 7