كتاب مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (اسم الجزء: 1)

لاقامة ذكره ومفضيا الى محابه وهوالعلم الَّذِي بِهِ يعرف الله ويعبد وَيذكر ويثنى عَلَيْهِ ويمجد وَلِهَذَا خلقهَا وَخلق اهلها كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا خلقت الْجِنّ والانس الا ليعبدون {وَقَالَ} الله الَّذِي خلق سبع سموات وَمن الارض مِثْلهنَّ يتنزل الامر بَينهُنَّ لِتَعْلَمُوا ان الله على كل شَيْء قدير وان الله قد احاط بِكُل شَيْء علما فتضمنت هَاتَانِ الايتان انه سُبْحَانَهُ إِنَّمَا خلق السَّمَوَات والارض وَمَا بَينهمَا ليعرف باسمائه وَصِفَاته وليعبد فَهَذَا الْمَطْلُوب وَمَا كَانَ طَرِيقا اليه من الْعلم والتعلم فَهُوَ الْمُسْتَثْنى من اللَّعْنَة واللعنة وَاقعَة على مَا عداهُ إِذْ هُوَ بعيد عَن الله وَعَن محابه وَعَن دينه وَهَذَا هُوَ مُتَعَلق الْعقَاب فِي الاخرة فَإِنَّهُ كَمَا كَانَ مُتَعَلق اللَّعْنَة الَّتِي تضمن الذَّم والبغض فَهُوَ مُتَعَلق الْعقَاب وَالله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا يحب من عباده ذكره وعبادته ومعرفته ومحبته ولوازم ذَلِك وَمَا افضى اليه وَمَا عداهُ فَهُوَ مبغوض لَهُ مَذْمُوم عِنْده الْوَجْه الْخَمْسُونَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابي جَعْفَر الرَّازِيّ عَن الرّبيع بن انس قَالَ قَالَ رَسُول الله من خرج فِي طلب الْعلم فَهُوَ فِي سَبِيل الله حَتَّى يرجع قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب رَوَاهُ بَعضهم فَلم يرفعهُ وَإِنَّمَا جعل طلب الْعلم من سَبِيل الله لَان بِهِ قوام الاسلام كَمَا ان قوامه بِالْجِهَادِ فقوام الدّين بِالْعلمِ وَالْجهَاد وَلِهَذَا كَانَ الْجِهَاد نَوْعَيْنِ جِهَاد بِالْيَدِ والسنان وَهَذَا المشارك فِيهِ كثير وَالثَّانِي الْجِهَاد بِالْحجَّةِ وَالْبَيَان وَهَذَا جِهَاد الْخَاصَّة من اتِّبَاع الرُّسُل وَهُوَ جِهَاد الائمة وَهُوَ افضل الجهادين لعظم منفعَته وَشدَّة مُؤْنَته وَكَثْرَة اعدائه قَالَ تَعَالَى فِي سُورَة الْفرْقَان وَهِي مَكِّيَّة وَلَو شِئْنَا لبعثنا فِي كل قَرْيَة نذيرا فلاتطع الْكَافرين وجاهدهم بِهِ جهادا كَبِيرا فَهَذَا جِهَاد لَهُم بِالْقُرْآنِ وَهُوَ أكبر الجهادين وَهُوَ جِهَاد الْمُنَافِقين ايضا فَإِن الْمُنَافِقين لم يَكُونُوا يُقَاتلُون الْمُسلمين بل كانوامعهم فِي الظَّاهِر وَرُبمَا كَانُوا يُقَاتلُون عدوهم مَعَهم وَمَعَ هَذَا فقد قَالَ تَعَالَى يَا أَيهَا النَّبِي جَاهد الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم وَمَعْلُوم ان جِهَاد الْمُنَافِقين بِالْحجَّةِ وَالْقُرْآن وَالْمَقْصُود ان سَبِيل الله هِيَ الْجِهَاد وَطلب الْعلم ودعوة الْخلق بِهِ الى الله وَلِهَذَا قَالَ معَاذ رضى الله عَنهُ عَلَيْكُم بِطَلَب الْعلم فَإِن تعلمه لله خشيَة ومدارسته عبَادَة ومذاكرته تَسْبِيح والبحث عَنهُ جِهَاد وَلِهَذَا قرن سُبْحَانَهُ بَين الْكتاب الْمنزل وَالْحَدِيد النَّاصِر كَمَا قَالَ تَعَالَى لقد ارسلنا رسلنَا بِالْبَيِّنَاتِ وأنزلنا مَعَهم الْكتاب واميزان ليقوم النَّاس بِالْقِسْطِ وانزلنا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد وَمَنَافع للنَّاس وليعلم الله من ينصره وَرُسُله بِالْغَيْبِ ان الله قوي عَزِيز فَذكر الْكتاب وَالْحَدِيد إِذْ بهما قوام الدّين كَمَا قيل:
فَمَا هُوَ إِلَّا الْوَحْي اوحدمرهف ... تميل ظباه اخدعا كل مَا يل ... فَهَذَا شِفَاء الدَّاء من كل عَاقل ... وَهَذَا دَوَاء الدَّاء من كل جَاهِل ... وَلما كَانَ كل من الْجِهَاد بِالسَّيْفِ وَالْحجّة يُسمى سَبِيل الله فسر الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم

الصفحة 70