كتاب الكامل في التاريخ (اسم الجزء: 1)

دُخَانًا، فَارْتَفَعَ فَوْقَ الْمَاءِ، فَسَمَا عَلَيْهِ، فَسَمَّاهُ سَمَاءً، ثُمَّ أَيْبَسَ الْمَاءَ فَجَعَلَهُ أَرْضًا وَاحِدَةً، ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ أَرَضِينَ فِي يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْأَحَدِ، وَيَوْمِ الِاثْنَيْنِ. فَخَلَقَ الْأَرْضَ عَلَى حُوتٍ، وَالْحُوتُ النُّونُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ: ن وَالْقَلَمِ وَالْحُوتُ فِي الْمَاءِ، وَالْمَاءُ عَلَى ظَهْرِ صَفَاةٍ، وَالصَّفَاةُ عَلَى ظَهْرِ مَلَكٍ، وَالْمَلَكُ عَلَى صَخْرَةٍ، وَالصَّخْرَةُ فِي الرِّيحِ، وَهِيَ الصَّخْرَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا لُقْمَانُ لَيْسَتْ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، فَتَحَرَّكَ الْحُوتُ، فَاضْطَرَبَتْ، وَتَزَلْزَلَتِ الْأَرْضُ، فَأَرْسَى عَلَيْهَا الْجِبَالَ، فَقَرَّتْ. وَالْجِبَالُ تَفْخَرُ عَلَى الْأَرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} [الأنبياء: 31] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَمُجَاهِدٌ، وَكَعْبٌ، وَغَيْرُهُمْ: كُلُّ يَوْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَأَلْفِ سَنَةٍ.
قُلْتُ: أَمَّا مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمِ كَذَا، فَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ، وَإِلَّا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْوَقْتَ أَيَّامٌ وَلَيَالٍ، لِأَنَّ الْأَيَّامَ عِبَارَةٌ عَمَّا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، وَاللَّيَالِي عِبَارَةٌ عَمَّا بَيْنَ غُرُوبِهَا وَطُلُوعِهَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْوَقْتَ سَمَاءٌ، وَلَا شَمْسٌ. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِمِقْدَارِ يَوْمٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62] وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ بُكْرَةٌ وَعَشِيٌّ.
(سَلَامٌ: وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ، بِتَخْفِيفِ اللَّامِ) .

الْقَوْلُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، أَيُّهُمَا خُلِقَ قَبْلَ صَاحِبِهِ؟
قَدْ ذَكَرْنَا مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَوْقَاتِ، وَأَنَّ الْأَزْمِنَةَ وَالْأَوْقَاتَ إِنَّمَا هِيَ سَاعَاتُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ قَطْعُ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ دَرَجَاتِ الْفَلَكِ.

الصفحة 21