كتاب الكامل في التاريخ (اسم الجزء: 1)

أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ فَمَنِ اعْتَمَدَهُ لَا يُرِيدُ غَيْرَهُ فَقَدْ وَفَدَ إِلَيَّ، وَزَارَنِي، وَضَافَنِي، وَيَحِقُّ عَلَى الْكَرِيمِ أَنْ يُكْرِمَ وَفْدَهُ، وَأَضْيَافَهُ، وَأَنْ يُسْعِفَ كُلًّا بِحَاجَتِهِ، تَعْمُرُهُ أَنْتَ يَا آدَمُ مَا كُنْتَ حَيًّا، ثُمَّ تَعْمُرُهُ الْأُمَمُ، وَالْقُرُونُ، وَالْأَنْبِيَاءُ مِنْ وَلَدِكَ أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ.
ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ أَنْ يَأْتِيَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَكَانَ قَدْ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ يَاقُوتَةً وَاحِدَةً، وَقِيلَ: دُرَّةً وَاحِدَةً، وَبَقِيَ كَذَلِكَ حَتَّى أَغْرَقَ اللَّهُ قَوْمَ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَرُفِعَ وَبَقِيَ أَسَاسُهُ، فَبَوَّأَ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَبَنَاهُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَسَارَ آدَمُ إِلَى الْبَيْتِ لِيَحُجَّهُ، وَيَتُوبَ عِنْدَهُ، وَكَانَ قَدْ بَكَى هُوَ وَحَوَّاءُ عَلَى خَطِيئَتِهِمَا، وَمَا فَاتَهُمَا مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَلَمْ يَأْكُلَا وَلَمْ يَشْرَبَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ أَكَلَا وَشَرِبَا بَعْدَهَا، وَمَكَثَ آدَمُ لَمْ يَقْرَبْ حَوَّاءَ مِائَةَ عَامٍ، فَحَجَّ الْبَيْتَ، وَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] .
(نُودٌ بِضَمِّ النُّونِ، وَسُكُونِ الْوَاوِ، وَآخِرُهُ دَالٌ مُهْمَلَةٌ) .

ذِكْرُ إِخْرَاجِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ وَأَخْذِ الْمِيثَاقِ
رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ عَلَى ذُرِّيَّةِ آدَمَ بِنَعْمَانَ مِنْ عَرَفَةَ فَأَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قَبْلًا وَقَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف: 172] إِلَى قَوْلِهِ: {بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: 173] .
(نَعْمَانُ بِفَتْحِ النُّونِ الْأُولَى) .
وَقِيلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: إِنَّهُ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ بِدَحْنَا، مَوْضِعٌ.

الصفحة 37