كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

قال القاضي رحمه اللَّه: فمعنى الآية واللَّه أعلم ما جاءت به الرواية من الحيلة بالحجة، وأخذ الشيء بالحكم الواقع بالظاهر، فذاك أكل المال بالباطل، وسواء كان المحكوم به مالًا (¬١) أو غير مال.
وقد زعم العراقيون (¬٢) أنهم يفرقون بين المال وبين غيره، وزعموا أن المال إذا قُضي له به، لم يحل له إذا كان يعلم أنه لا يستحقه. ثم زعموا في رجل شهد عليه شاهدان أنه طلق امرأته وهما عالمان بكذبهما وأنهما شهدا بزور، ففرق الحاكم بينهما، أنه لا بأس أن يتزوجها أحدهما، والحاكم لم يوقع طلاقًا، وإنما أمضى شهادة الشاهدين، كإمضائه شهادتهما لو شهدا على رجل بمال فحكم به الحاكم، لم يحل للمحكوم له عندنا وعندهم أخذ ذلك المال، لأن حكم الحاكم لا يحل ما حرم اللَّه، كذلك حكمه بشهادة الشاهدين لا يُحل حرامًا، ولا يُبيحها للأزواج إذا كانت هي عالمة بأن ما ادَّعت باطل، كذلك لا تحل لأحد الشاهدين إذ يعلم أنها غير مطلقة، وإنما تحل لمن لا يعلم بظاهر الحكم.
ويلزمهم على هذا -وعساهم قائلوه- أن الحاكم إذا حكم بطلاقها، وادعى إقرار الزوج عنده، وهو يعلم أن الزوج لم يُقِرَّ، ففرق بنهيه للزوج، أن للحاكم أن يتزوجها.
وقُبح هذه المسألة يُغْني عن الاحتجاج على قائلها، واللَّه أعلم.
* * *
---------------
(¬١) في الأصل: مال.
(¬٢) هم الأحناف، وهم كذلك في الكتاب كله.

الصفحة 134