كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

قال القاضي فقد جاء الاختلاف في الحاج يحصر على ما وصفنا، وقد قال اللَّه عز وجل: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}، فلولا أنا قد علمنا أن هذه الفدية لكل مُحرِم أصابه أذى من رأسه، لكان الظاهر يدل على أن هذا إنما نزل في المحصَر خاصة، وكذلك: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، استعملها الناس في كل محرم ساق الهدي، وأنه لا ينبغي أن يحلق حتى ينحَر هديه.
وهذا النحو يأتي في القرآن كثيرًا (¬١)، يذكر القصة، ثم يذكر بعدها أمورًا أخرى، ثم يعاد إلى القصة الأولى.
قال اللَّه عز وجل: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: ١ - ٣] ثم ذكر بعد هذا القسم قصة أصحاب الأخدود، ثم قال: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: ١٢].
وقال: {وَالْفَجْرِ} إلى قوله: {لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: ١ - ٥] ثم ذكر بعد ذلك ما ذَكر ثَمَّ، ثم قال: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: ١٤] هذا هو القسم.
وقال: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: ٨٣] فعلم أنه عمّا (¬٢) بقوله: {إِلَّا قَلِيلًا} عطفًا على: {الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} {إِلَّا قَلِيلًا}، ولولا فضل اللَّه عليهم ورحمته لاتبعوا الشيطان كلهم.
---------------
(¬١) في الأصل: كثير.
(¬٢) كذا في الأصل.

الصفحة 151