كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

يمنع المفترضين من الصلاة في ذلك الوقت، ولا من دخل المسجد وقد صلى في رَحْلِه، أن يُعيد.
كذلك مُنِعَ من الصيام المتطوعُ في أيام التشريق، وجاز للمفترَض عليه الصيامُ في الحج صومُها، فإن أخَّر إنسان صلاةً ذكرها بعد العصر، فقد أخطأ، وصارت عليه في وقت ثان، كما أنه إن أخَّر هذا الصومَ في أيام التشريق كان له قضاؤها، ثم السبعة.
وعلى أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُحرِّم صيام أيام التشريق، وإنما حَرَّم يومين: الفطر، والأضحى، وقال في أيام التشريق: "أيام أكل وشرب"، ويقال: "وذكر للَّه"، فخصها بالترفيه، وقد ذكرنا من قال ذلك، ومن قال ينتقل إلى الدم.
وقد قال مالك -رضي اللَّه عنه-: إنه يصوم، ولو كان الصوم إذا فات في الحج لم يجز أن يقضى، كان موضعه قد فات، لقد كان الهدي أيضًا لا يجوز أن يُقضى، لأن موضعه قد فات، إذ كل واحد من الهدي والصوم إنما أمر به في الحج.
والوجه عندنا -واللَّه أعلم- أن يعمل فيما يقضى من ذلك بعد وقته ما كان يفعل في وقته.
فلو أن مُظاهِرًا غَشِيَ قبل أن يُكَفِّرَ، وعتقُ الرقبة ممكنٌ، فذهب ماله، لوجب عليه ما كان رجب في الأصل، عتق رقبةٍ وإلا صام، فإن لم يقدر أطعم، يفعل في ذلك بعد الغَشَيان ما كان يفعل قبله. ونظائر هذا كثير.
فإن قيل: فلِمَ جوَّز ثَمَّ للذي يقضي شهر رمضان أن يقضيه متفرقًا، وقد كان في الأصل متتابعًا؟
قلنا: الذي يختار في كل الصيام أن يكون متتابعًا، فإن قُضِيَ متفرقًا دون ما شرط اللَّه فيه التتابع جاز، لأنه قد أتى في القضاء من العدد مثل ما كان عليه في الأصل، وإنما وجبت المواصلة في رمضان لأنه مُفترَض بعينه، فلما زالت

الصفحة 178