كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

العين رجب العدد، لأن اللَّه عز وجل قال: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤]، فقام العدد في كل يوم من القضاء مقام كل يوم من الشهر، ألا ترى أن رجلًا لو أسلم في بعض رمضان، لوجب عليه عندنا صيام ما بقي فيه دون ما مضى، ولو أفطر إنسان متعمدًا يومًا، لما أفسد ذلك عليه غير يومه.
وليس مجرى الشهرين المتتابعين هذا المجرى، لأن الشهرين لم يكونا في الأصل بأعيانهما، وإنما نعني بالتتابع، فصار بعضه مضمنًا (¬١) ببعض، فإن تعمد إنسان إفساد يوم من الشهرين فسد عليه ما مضى منهما، وفي جميع ما وصفنا دليل على ما ذكرناه من أمر الهدي والصوم في التمتع.
فأما التفريق بين الثلاثة والسبعة، فإنه إن تابَع كان أحب إلينا، وإن فَرَّق أجزأه، لأنه لم يشترط علينا فيه التتابع.
فأما الذي يصوم في تمتعه، ثم يُوسِر قبل أن يفرغ من صيامه، فقد روي في ذلك اختلاف عن التابعين، والنظر يدل على ما قلناه من أنه يمضي على صومه، لأن المتمتع إذا لم يجد الهدي، والمُظاهِر إذا لم يجد الرقبة، والمتيمم إذا لم يجد الماء، والمطلَّقة التي لم تَحِض ثم حاضت، لكل صنف مما وصفنا وجه.
فأما المتمتع، والمُظاهر، والقاتل، فقد جُعل عليهم الصيام عند العدم، وإذا دخلوا في الصيام فقد دخل بأمر اللَّه، ومضى بعض عمله فلا ينتقض ذلك، وكذلك دخل في الصلاة بأمر اللَّه، وزال فرض الوضوء عنه لهذه الصلاة، فلا تنتقض صلاته برؤية الماء.
وأما المُعتدَّة فإنها أُمرت بشيء ليس الأمر فيه إليها، فظاهر الأمر أنها أُمرت أن تنتظر أن تمضي الشهور، أو تمضي الأقراء، فكانت العِدَّة أحد هذين الأمرين، وكأنه لا تعلمه إلا بانقضائه، إذ كان غيبًا من غيب اللَّه عز وجل، لا
---------------
(¬١) في الأصل: مضمن.

الصفحة 179