كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)
وقال بعضهم الرَّفث: الجماع، والفسوق: السِّباب والمعاصي، والجدال: أن يقول قائل: إن الحج في غير ذي الحجة، قد استقر الأمر على أن الحج في ذي الحجة، فلا جدال فيه (¬١)، لقول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد وقف بعرفة: "ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السموات والأرض، فلا حج إلا في ذي الحجة" (¬٢).
وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن مجرى الجدال مجرى الرَّفَث والفسوق، وإلى أن النهي قد وقع على ذلك كلِّه، فكأنه قد قيل: لا ترفُثوا، ولا تفسُقوا، ولا تجادلوا.
وذهب بعضهم إلى أن النهي وقع على الرَّفَث والفسوق خاصة، وأخبروا أن الحج لا جدال فيه، فكأنه قد قيل لهم: لا ترفثوا، ولا تفسقوا، ثم اعلموا أن الحج لا جدال فيه، وأن ذلك قد انقطع، لأن بعضهم كان يقف بعرفات، وبعضهم بمزدلفة، ويقول هؤلاء: نحن أصوب، ويقول هؤلاء: نحن أصوب (¬٣)، وكانوا يغيرون الشهور ويسمونها بغير أسمائها، فيحُجون في كل سنتين في شهر، حتى يدور الحج في أربع وعشرين سنة، وكانوا يسمونه النَّسِيء، وهو الذي قال اللَّه عز وجل: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: ٣٧].
وقال شاعرهم:
---------------
(¬١) ممن قاله: مجاهد، والسدي، انظر تفسير ابن جرير (٢/ ٢٨٦ - ٢٨٧)، وتفسير ابن أبي حاتم (١/ ٣٤٨).
(¬٢) الشطر الأول منه جزء من حديث متفق عليه، رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها، كتاب: الحج، باب: حجة الوداع. ورواه مسلم (٥/ ١٠٧)، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض.
(¬٣) رواه ابن جرير في تفسيره عن ابن زيد (٢/ ٢٨٦)، ورواه ابن جرير عن مالك بن أنس (١/ ٣٤٩).