كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

حال اليأس، وإن كانت الذكاة ممكنة وهي الذبح، لا الذكاة التي أمر اللَّه بها، فلا سبيل إلى أكله، وهو كالميتة.
وقد قال قوم: إن هذا يُذَكَّى، وإن الذي لا يؤكل من هذه ما مات، وفي ذلك إغفال شديد، كلامُ اللَّه تبارك وتعالى إيجاز، ولو كان كما قال القائل لكان {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}، يغني عن ذكر ذلك كلِّه، فلا فرق بين ما مات حتف أنفه، وبين ما مات من هذه الأشياء وغيرها، لأن الميؤوس من حياته من هذه الأشياء حكمه حكم الميتة، كالكافر يُسلم بعد المعاينة، والمذنب من المسلمين عند هذه الحال يتوب، قال اللَّه تبارك وتعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} [الواقعة: ٨٣ - ٨٤] وقال: {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء: ١٨].
وأما قوله: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} فمعناه: ولكن ما ذكيتم، فكلوا مما تجوز لكم ذكاته من هذه الأشياء وغيرها.
وهذا في القرآن كثير "إلا" بمعنى "ولكن"، قال اللَّه عز وجل: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} [يونس: ٩٨] أي: ولكن قوم يونس، وقال: {طه (١) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (٢) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: ١ - ٣]، ولكن تذكرة لمن يخشى، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء: ٩٢]، وهو: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا، ولكن إن قتل مؤمنًا خطئًا فتحرير رقبة.
وأما قوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: ٣]، فهي حجارة كانت حول الكعبة يذبح عليها أهل الجاهلية.

الصفحة 449