كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

فَاطَّهَّرُوا} اغتسلوا، {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} في هذه الأحوال التي قدم ذكرها، {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}، فلما قال اللَّه سبحانه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨]، وذكر لنا ما يوجب الوضوء، لم يجب في قيء ولا رُعاف، ولا في شيء يسيل من الجسد الوضوء.
فإن قيل: المغمى عليه عندكم يتوضأ ولم يذكر.
قيل: هذا وأضرابه داخل تحت قوله في ذكر النوم.
فإن قالوا: فالنُّفساء؟
قيل: تحت ذكر الحائض، لأنه حيْض طالت أيامُه، فلا وضوء ولا غسل إلا مما ذكر اللَّه في كتابه، إلا ما سنه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في غسل الجمعة، وغسل الإحرام، وما أشبه ذلك، وكذلك في الوضوء فيما سن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- اتباعًا له، وذلك كله غير مفروض، وليس لأحد قصد ترك السنن، فمن عاندها بالترك اسْتُتِيبَ للعناد، ولا يجري مجرى الفرائض.
فإن قيل: فإن ابن عمر، وابن المسيب، قد روى عنهما مالك أنهما توضآ من الرُّعاف (¬١).
قيل: ذلك غسل المَوْضِع، والعرب تسميه وضوءًا، وقد صلى عمر -رضي اللَّه عنه- وجرحه يثعب دمًا (¬٢)، وصلى الأنصاري والدم يجري من السهم الذي رُمي به، وذكر ذلك لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يُنكر ذلك، ولا أمره بوضوء (¬٣).
---------------
(¬١) الموطأ برواية يحيى ٨٨ و ٩٠، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الرعاف.
(¬٢) رواه الإمام مالك ٩٣، كتاب الصلاة، العمل فيمن غلبه الدم، برواية يحيى.
(¬٣) علقه البخاري في كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، ورواه أبو داود ١٩٨، كتاب الطهارة، باب الوضوء من الدم (ت الأرناؤوط).

الصفحة 460