كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

اليدين، وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ويل للأعقاب من النار" (¬١)، "ويل للعراقيب من النار" (¬٢)، فدل ذلك كله على الغسل.
وقد احتج قوم أنه المسحُ بالتيمم، وأنه قد يبلغ به إلى المرفقين وهو مسح. فقيل لهم: لم يقل اللَّه تبارك وتعالى في التيمم إلى المرفقين، فاختلف الناس في ذلك، وإنما قلنا: يمسح ما كان يغسل احتياطًا، وكان أقوى في باب الحجة، وأحوط في أداء الصلاة.
وقد قال قوم: وقوله عز وجل: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} أي: بعض رؤوسكم (¬٣)، ولو كان هذا هو المعنى لنزل القرآن به، ولما مسح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رأسه كله، إذ لم يرو عنه أنه مسح ببعض رأسه روايةً تصح، كلُّ من روى وضوء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- روى أنه مسح رأسه كله، هذا مع نهي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن العداء.
قال عبد اللَّه بن مغفل: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "سيكون قوم من هذه الأمة يعتدون في الدعاء والطهور" (¬٤)، فترك بعض الرأس عداء، كما أن الزيادة على مسحه عداء، والرواية في الثلاث خطأ، وراويها غير معتمد عليه، وهو
---------------
(¬١) متفق عليه من حديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه-، رواه البخاري في مواضع منها برقم ٦٠، كتاب: العلم، باب: من رفع صوته بالعلم، ومسلم (١/ ١٤٧)، كتاب: الطهارة، باب: وجوب غسل الرجلين بكمالهما.
(¬٢) رواه مسلم (١/ ١٤٨)، الموضع السابق.
(¬٣) مسح بعض الرأس مذهب الشافعي وأبي حنيفة -رضي اللَّه عنهما-، قال الماوردي: الشافعي في الحاوي الكبير (١/ ١٤١): "وقد ذهب الشافعي أن الواجب ما ينطلق اسم المسح عليه، ثلاث شعرات فصاعدًا"، وحُكي عن أبي حنيفة أن مقدار ما يجب مسحه الرُّبُع، انظر: المبسوط (١/ ٦٣)، وبدائع الصنائع (١/ ٤).
(¬٤) رواه أبو داود برقم ٩٦، كتاب: الطهارة، باب: الإسراف في الماء.

الصفحة 464