كتاب أحكام القرآن لبكر بن العلاء - ط جائزة دبي (اسم الجزء: 1)

مسح كمسح التيمم، فلا يزاد في عدده، وقول اللَّه عز وجل: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} مثل قوله في التيمم: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦]، ومسح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمُقدم رأسه إلى قفاه ثم ردها إلى حيث بدأ.
وقوله عز وجل: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}، وامسحوا رؤوسكم واحدٌ، وهذه الباء تدخل في الكلام، والمعنى فيها وفي إسقاطها واحد عند أهل اللسان، لأنك تقول: ليس فلان قاتلًا، وليس فلان بقاتل، قال الشاعر:
كفى الشَّيْبُ والإسلامُ للمرء ناهيا (¬١)
فكان مثلَ قوله: كفى بالشَّيب والإسلام، وقال اللَّه تبارك وتعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩]، وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز الطواف ببعض البيت حتى قالوا: من طاف في الحِجْر لم يجزئه طوافه، لأن بعض الحِجْر من البيت، فلم تعمل الباء شيئًا.
وقال مالك -رضي اللَّه عنه- فيمن قدَّم يديه قبل وجهه: إنه إن كان في مكانه أو بحضرة ذلك أعاد ما قدم ليكون بعد ما أخر، وإن كان صلى فصلاته ماضية (¬٢).
وبما قال في الحال الأول اتباع للسنة، وخالفه الشافعي فزعم أن الصلاة لا تصح إذا قدم ما أخر ذكره (¬٣).
ولا نعلم اختلافًا بين أهل اللغة أن الواو لا توجب التبدية، وإنما تقتضي الأفعال، إذا قال: لقيت زيدًا وعمرًا، فقد يجوز عندهم أن يكون لقي عمرًا قبل زيد، وإذا قيل: لقيت زيدًا فعمرًا، علم أنه لقي زيدًا أولًا بغير تراخي، فإذا قال:
---------------
(¬١) عَجُز بيت لسُحَيم عبد بني الحَسْحاس في ديوانه (ص ١٦)، وصدره:
عُمَيْرَةَ وَدِّع إن تَجَهَّزْت غادِيا
(¬٢) الموطأ برواية يحيى برقم ٣٨ كتاب: الصلاة، العمل في الوضوء.
(¬٣) الأم (١/ ٢٥) (ط المعرفة).

الصفحة 465